د.حسين محمد الفيحان
غرقتْ إسرائيل في حربٍ بدأتها منذ سنة وما زالت غير واضحة النهاية في قطاع غزة المحاصر منذ عشرين عاماً، وهذا الجنوب اللبناني يدخل الحربَ رسمياً بعد عامٍ من العمليات العسكريَّة المحدودة من الجانبين الإسرائيلي واللبناني، هذه الحرب التي إذا كانت إسرائيل امتلكت بدايتها فإنَّها لا تستطيع التحكم بإنهائها؛ لأنَّ الحرب على لبنان لن تكون كالحرب على غزة، فما خفي فيها أعظم، فوق الأرض وتحت الأرض وفي السماء وخطوط الإمداد بالجنود وبالسلاح، فما ينتظر إسرائيل في هذه الحرب التي أوقعت نفسها فيها؟
في غزة ذاقت إسرائيل الويلات بالرغم من تواضع السلاح الذي امتلكه أهل غزة مقارنة بسلاح حزب الله اللبناني، فترسانة حزب الله العسكريَّة جعلته إحدى أكثر القوى العسكريَّة غير الحكوميَّة تسليحاً في العالم، وهو يتلقى التمويل والمعدات العسكريَّة من إيران وسوريا الحليفين الواثقين لروسيا في الشرق الأوسط. يقول حزب الله، إنَّ لديه 100 ألف مقاتل، وتشير تقديرات مستقلة إلى أنَّ عدد مقاتلي حزب الله يتراوح بين 30 - 50 ألف مقاتل وهم عناصر تدربوا جيداً واكتسبوا خبرة قتاليَّة عالية، إذ شاركوا إلى جانب قوات النظام السوري في معاركه ضد الثورة السوريَّة طيلة ثلاثة عشر عاماً.
أما الترسانةُ العسكريَّة التي يمتلكها حزب الله، فأبرزها الصورايخ والقذائف التي يتراوح عددها بين (120 - 200) ألف، ويعتقدُ أيضاً أنَّ لدى الحزب صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ مضادة للسفن، فضلاً عن صواريخ موجهة وقادرة على ضرب العمق الإسرائيلي وقد أطلق بعضها تحت اسم فادي1، وفادي2 ، رداً على تفجيرات أجهزة «البيجر» وغارات الضاحية التي استهدفت القادة العسكريين للحزب، كما وأدخل حزب الله في ترسانته مؤخراً المسيرات الانقضاضيَّة والاستطلاعيَّة، أما مضادات الدروع الموجهة فما يمتلكه منها غير معلومٍ من حيث النوع والعدد ولا يمكن الجزم بنوع وكميَّة السلاح الذي يمتلكه حزب الله.
ولكنْ بحسب المراقبين والخبراء ستكشف الحرب عن كثيرٍ من المفاجآت خصوصاً إذا تجرأت إسرائيل على اجتياحٍ بري لبلدات الجنوب، الأمر الذي سيجعل قواتها خارج نطاق القبة الحديديَّة!، الأمر الذي يجعلها أهدافاً أقرب إلى التدمير، وهذا ما متوقع له أنْ يحصل بحسب ما بدأ من خطوات الحرب الأولى.
الجيش الإسرائيلي يسيطر على الإذاعة اللبنانيَّة الرسميَّة ويبعث تحذيراتٍ صوتيَّة للمواطنين في الجنوب، تأمرهم بالابتعاد عن مواقع وعناصر حزب الله حفاظاً على سلامتهم، ومواقع وعناصر الحزب موجودون في كل حيٍ وشارعٍ في بلدات الجنوب، وهذا معناه أنَّ الجنوب كله الآن تحت القصف الجوي بلا هوادة، وليس أمام أهله إلا النزوح وإخلاء البيوت إلى مناطق أكثر أماناً.
كل ذلك تمهيداً لحرب بريَّة قادمة قد أعدت إسرائيل خطتها واستعد حزب الله لمواجهتها.
هذا الاجتياح الذي تريده إسرائيل بحسب زعمها لتأمين عودة المستوطنين إلى الشمال ولتفهيم المقاومين رسالة نتنياهو بحسب قوله.
لكنَّ الاجتياج البري للجنوب لن يكون مسرحاً خالياً من المواجهة كما القصف الجوي، فهناك من الاستعداد للمواجهة فوق الأرض الكثير، وأكثرُ منه ما سيأتيهم ويطلُ عليهم من تحت الأرض، وإذا كانت أنفاق غزة قد شيبت رؤوس الاحتلال فإنَّ أنفاق الجنوب اللبناني لن تكتفي بذلك؛ لأنها أكثر تعقيداً وأغزر تسليحاً وأوسع امتداداً، فالتقارير عنها تشير إلى امتدادها ليس فقط بين بلدات الجنوب بل إنما هي واصلة في شبكة معقدة إلى ضاحية بيروت بل أبعد من ذلك بكثير، حيث تجاوزت الحدود اللبنانيَّة كلها ووصلت إلى الأراضي السوريَّة.
وإذا ظنت إسرائيل أنها أنهت الترسانة الصاروخيَّة لحزب الله باستهداف منصات الصواريخ فوق الأرض والصواريخ الموزعة في المنازل بحسب الخرائط التي نشرتها، فإنَّ ما ينتظرها تحت الأرض أضعاف ذلك بكثير، وقد وصفت بالمدن الصاروخيَّة لحزب الله تحت الأرض، وقد نشر الحزب مقاطع استعراضيَّة قبل فترة لتلك المدن الصاروخيَّة تحت اسم «عمادـ4» وبدت بحسب الصورة واسعة تتجول فيها سيارات كبيرة تحمل منصاتٍ متعددة لأنواعٍ كثيرة من الصواريخ، قدر بعض الخبراء أنَّ منها صواريخ باليستيَّة بعيدة المدى.
وقد رأينا كيف استطاع صاروخ باليستي يمني فرط صوتي اختراق القبة الحديديَّة بكل طبقاتها.
وبحسب التوقعات فإنَّ التهديد لأمن إسرائيل سيفوق كل التكهنات والتقديرات ولهذه المدن الصاروخيَّة بوابات محصنة ومنافذ تطلُّ منها إلى الفضاء تنتظر الأمر بالانطلاق إلى العمق الإسرائيلي في أي لحظة.
وليس الجنوب اللبناني كغزة، في غزة لم يمتلك المقاومون هناك لمواجهة الدبابات والمدرعات سوى قذائف الياسين 105 والعبوات المصنعة محلياً، ولكنْ ما يملكه حزب الله اللبناني من مضادات الدروع، يجعل المهمة أمام المدرعات الإسرائيليَّة أقرب إلى الانتحار، ومهما دمرت إسرائيل من ترسانة حزب الله ، فلا يمكنها قطع خطوط الإمداد وتزويد الحزب بالسلاح والذخائر.
بدأت إسرائيل الحرب على الجنوب بزعم تأمين عودة المستوطنين إلى الشمال ولكنها تحولت منذ اليوم الأول إلى امتداد الرعب على كل خارطة إسرائيل وصار المستوطنون يقضون أكثر وقتهم بالملاجئ لا في البيوت في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه إنهاء الحرب على غزة وعودة من بقيَ من أسراهم على قيد الحياة، وهكذا فتحت إسرائيل جبهة قتال جديدة لا تدري المخرج منها، تحتم عليها ألا تقف دون تحقيق هدفها المزعوم والذي لن يتحقق.
فقد قالها السيد حسن نصر الله قبل استشهاده وفي آخر ظهور له: «إنَّكم لن تستطيعوا أنْ تعيدوا المستوطنين المحتلين المغتصبين إلى المستعمرات في الشمال قبل وقف العدوان على غزة»،
وسيصدق نصر الله.