السوداني: العراق ركن أساسي في استقرار سوق النفط العالميَّة

بغداد/ الصباح: عمر عبد اللطيف
جدد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، التزام الحكومة بمنهج تنويع مصادر الدخل ومغادرة الاقتصاد الأحادي الريعي، معلناً أن الحكومة - ومنذ توليها المسؤولية - حققت منجزاً رقمياً ملموساً عبر جملة من الالتزامات أبرزها وقف حرق الغاز بنسبة 70بالمئة، وتوسعة إنتاج المشتقات النفطيةِ، كما أكد أن العراق بات يشكّل ركناً أساسياً في استقرار سوق النفط العالمية. وافتتح رئيس الوزراء، صباح أمس الثلاثاء، مؤتمر العراق للطاقة 2025 الذي عقدته "منصة العراق للتنمية" في العاصمة بغداد تحت شعار (معاً لمستقبل واعد للطاقة)، بمشاركة دولية واسعة، وحضرته "الصباح".
وأفاد المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان تلقته "الصباح"، بأن السوداني، قال في كلمته لدى افتتاح المؤتمر: إن "المؤتمر فرصة للاطلاع على سياسات وبرامج الدولة في قطاع الطاقة الذي يحتّل مكانة محورية في كلِّ خطط الحكومة التنموية والتزامها بتحديثه وتطويره، بالتوازي مع هدف تنويع الاقتصاد، بشكل ينعكسُ إيجاباً على القطاعاتِ الأخرى".
مشاريع متكاملة
وأشار إلى "تحقيق منجز رقميٍّ ملموس منذ تولي الحكومة مسؤوليتها، عبر جملة من الالتزامات أبرزها وقف حرق الغاز بنسبة 70بالمئة، والاستفادة من الثروة النفطية، واستثمار الغاز الطبيعي، وتوسعة إنتاج المشتقات النفطيةِ"، مؤكداً "الاقتراب من الاكتفاء الكامل من المحروقات والانتقال نحو تصدير زيت الغاز، ضمن رؤية تستهدف تحويل 40 بالمئة من الناتج النفطيِّ إلى صناعات تحويلية بحلول العام 2030".
وأضاف، أن "الحكومة طرحت مشاريع الطاقة المُتكاملة لتوسعة الاستفادة من الإنتاج النفطيِّ في الموقع الواحد، وأهمها حقلُ أرطاوي في محافظة البصرة، وما يرافقُه من مشروع لتحلية ماء البحر، وتوليد الطاقةِ الشمسية، فضلاً عن استثمار الغاز"، مبيناً "أن تعظيم الاقتصاد غيرِ النفطيِّ يترافق مع تعظيم العوائد من الثروة النفطية، عبر توسعة عمليات التكرير والصناعات البتروكيماوية".
طريق التنمية
وتابع رئيس الوزراء، أن "الحكومة اتجهت إلى تنوع مصادر الدخل أفقياً لحلِّ مشكلات البطالة والاقتصاد الأحادي، نحو خلق فرص العمل الحقيقية، والشراكة مع القطاع الخاص كانت النافذة الأولى للتنمية، وفرصة العمل الواحدة معه تؤدي إلى إيجاد فرص عديدة أخرى"، مبيناً أن "الحكومة ارتكزت على مشاريع ستراتيجية رافعة لكل قطاعات التنمية والاقتصاد وأهمها (طريق التنمية)".
وقال السوداني: "وضعنا في تصميم مسار (طريق التنمية) خطوطاً لنقل النفط والغاز، إضافة إلى الاتصالات لتحقيق الربط بين آسيا وأوروبا، وإتاحة الفرصِ الاستثمارية، كما وضعنا خطة للاستثمار في رأس المال البشري وتطوير القدرات والمهارات لمواكبة التكنولوجيا والتقنيات، خاصة مع اتساع تطبيقات الذكاء الصناعي".
قطاع الكهرباء
كما لفت رئيس الوزراء إلى أن "قطاع الطاقة الكهربائية بات العصب التنموي والاقتصادي المهم، ويمكن تحويله إلى بوابة أساسية من بوابات التنمية في العراق، وأن تطوير شبكة نقل وتوزيع الطاقة، واعتماد التقنيات الحديثة والذكية، سيقلل الضائعات، ويخفض الانبعاثات الضارة، ويعزز التنمية المستدامة، منوهاً بأن "وزارة الكهرباء أعلنت عن الموديل الاقتصادي الجديد للمحطات الحرارية التي تستهدف إنتاج 15 ألف ميغاواط إضافية، وسيتم الإعلان عن الحزمة الكبيرة والمهمة من مشاريع إنتاج الطاقة للمحطات الغازية وفق الموديل الجديد".
وأكد، أن "الشراكة مع القطاع الخاص مهمة لاختصار الوقت والجهد في مواجهة التغيرات المناخية ومعالجة شحّ المياه في العراق، وسعينا إلى إدخال عناصر الطاقة المتجددة والنظيفة والبديلة، وبدأنا التنفيذ الفعلي في مجال الطاقة الشمسية، ولدينا مشاريع للطاقة المتجددة والنظيفة ستصل سعات إنتاجها عند الاكتمال إلى 4875 ميغاواط".
وبشأن الطاقة النظيفة، بين السوداني أن "اقتناء منظومات الطاقة الشمسية المنزلية ضمن دعم البنك المركزي لمبادرة (1 تريليون دينار) من القروض، وماضون بالربط الكهربائي مع دول الخليج وتركيا وصولاً إلى شبكة الكهرباء في الاتحاد الأوروبي، لتحقيق التنوع والتكامل في مجال الطاقة".
كذلك أشار إلى أن "مكانة العراق العالمية باتت تكتسب صورة أكثر إشراقاً في النمو الاقتصادي والإصلاحات وزيادة مستويات التعاون في جميع منتديات الطاقة، وأصبح العراق ركناً أساسياً في استقرار سوق النفط العالمية، وهو على طريق التحول إلى مركز إقليمي لصناعات الطاقة، والعراق يُسهم في استقرار سوق النفط العالمية من خلال ارتكازه على اقتصاد قوي ومتين".
شهادة الأمم المتحدة
من جانبه، قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، محمد الحسان، في كلمة خلال حضوره المؤتمر: "يشرفني أن أكون معكم اليوم لمناقشة الانتقال إلى الطاقة المستدامة، وهي قضية حاسمة تواجه العراق والعالم".
وأشار إلى أن "العراق عانى من تحديات مناخية كبيرة، مثل الجفاف والفيضانات ودرجات الحرارة العالية التي تتجاوز 50 درجة مئوية، مما يؤثر في البنية التحتية، خاصة شبكات الطاقة مما يجعل تلبية الاحتياجات الأساسية للطاقة أمراً أكثر صعوبة".
وأضاف، أن "التغير المناخي يتطلب عملاً جماعياً عالمياً، إلا أن العراق يمكنه معالجة القضايا الحرجة المتعلقة بالطاقة من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري"، منوهاً بأن "هذا التحول لا يعتبر ضرورياً فقط لتحقيق الاستدامة البيئية، بل هو أيضاً أمر بالغ الأهمية لتعزيز المرونة الاقتصادية وحماية البلاد من تقلبات الأسعار واضطرابات سلاسل التوريد".
وأردف، أن "الاستثمار في الطاقة المتجددة وكفاءتها يحقق مستقبلاً أكثر إشراقاً واستدامة للعراق"، مبيناً أن "النقاشات حول الطاقة المستدامة ليست فقط حول أنظمة الطاقة الانتقالية، بل هي أيضاً من أجل مستقبل أكثر ازدهاراً ومرونة للعراق".
واستطرد الحسان، أنه "من خلال العمل المشترك بالإمكان التوافق مع أهداف اتفاقية باريس وأهداف التنمية المستدامة لضمان طاقة ميسورة التكلفة وموثوقة ومستدامة"، مبيناً أن "انتقال العراق إلى استخدام الطاقة النظيفة لا يقتصر فقط على التخفيف من تأثيرات التغير المناخي بل هو محفز للابتكار، وإنشاء صناعات جديدة، وفتح فرص اقتصادية".
ولفت إلى أن "هذا التحول، سيُسهم في مساعدة العراق على تنويع اقتصاده ومصادر طاقته، مما يمهِّد الطريق لتحقيق تنمية مستدامة طويلة الأجل"، مؤكداً أن "العراق اتخذ بالفعل خطوات جريئة وتحويلية وعلى مستوى عالمي".
ونوّه الحسان بأن "رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، خلال مشاركته بمؤتمر دافوس، جدد التزام العراق بتقليل حرق الغاز بحلول العام 2028 وتحسين جودة الهواء، وهو دليل واضح على عزم العراق على اتخاذ إجراءات ملموسة".
وأشار إلى "أهمية المبادرات الوطنية الرئيسية مثل ستراتيجية العمل الوطني المناسبة للتخفيف من التغير المناخي، واستراتيجية النمو الأخضر، وإطار سياسة انتقال الطاقة التي تم تطويرها بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصادقت عليها الحكومة".
وأكد الحسان أيضاً أن "هذه المبادرات، تمثل خطوات محورية نحو بناء مستقبل مستدام ومرن للعراق"، مشيداً "برئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي عزز هذه الرؤية خلال زياراته الأخيرة بمقترحات ملموسة للتعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق أهداف مشتركة في مجالي الطاقة والمناخ".
وتابع أن "التعاون الدولي ومشاركة القطاع الخاص أمران حيويان لتحقيق هذه الأجندة التحويلية".
اكتفاء ذاتي
من جانبه، قال وكيل وزارة النفط علي معارج، في جلسة حوارية خلال مؤتمر العراق للطاقة، وحضرتها "الصباح": إن "وزارة النفط تجهز وزارة الكهرباء بكافة أنواع النفط، ولدينا تجهيز لوزارة الكهرباء 10 آلاف لتر من زيت الغاز يومياً"، لافتاً إلى أن "المصافي العراقية تنتج 30 ألف متر مكعب من زيت الغاز".
وأضاف أن "وزارة النفط لديها اكتفاء ذاتي من مادة النفط الأبيض ومعامل لتحسين البنزين"، مبيناً أن "إنتاج المصافي الحالي يغطي الحاجة المحلية من النفط الأبيض والنفط الأسود وزيت الغاز". وأشار إلى أن "هناك بعض المنتجات يتم تصديرها لرفد ميزانية الدولة".
وفي تعليقه على حريق بئر الرميلة الذي حدث مؤخراً، قال معارج لـ"الصباح": إنه "أمر طبيعي، سواء كان مقصوداً أو لا".
وأضاف أن "عمليات الحرق في المنشآت النفطية طبيعية وتحصل في مناطق نائية"، مشيراً إلى أنه "في عملية التعاقد يوضع عامل المخاطرة"، مؤكداً في الوقت نفسه أنه "بالتالي يجري إصلاحها وتشغيلها وإعادتها للعمل كما
كانت".
مبادرة البنك المركزي
بدوره، أكد محافظ البنك المركزي علي العلاق، قرب إطلاق مبادرة لتمويل المشاريع الصناعية.
وقال العلاق في جلسة حوارية خلال المؤتمر: إن "المبادرات التي يقوم بها البنك المركزي تمثل أدوات لتحريك عجلة التنمية وتعزيز التحفيز الاقتصادي، وهي سياسات غير تقليدية تهدف إلى دعم الاقتصاد الكلي".
وأضاف أن "البنك المركزي يُعدُّ من المؤسسات المصرفية العالمية التي تتبنى سياسات نقدية غير تقليدية"، مشيراً إلى أن "حجم التراكمات في جوانب التخلف بالبنى التحتية يعدُّ تحدياً كبيراً".
وأوضح العلاق أن "البنك المركزي معنيٌّ بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، خاصة أن عوامل الطاقة ترتبط مباشرة بالوضع الاقتصادي من خلال دعم المصانع والشركات وغيرها".
كما أشار إلى أن "البنك المركزي يتدخل في دعم وتمويل مختلف المشاريع، بما فيها مشاريع الطاقة المتجددة، سواء عبر دعم مباشر أو غير مباشر".
ولفت إلى "أهمية الاستقرار النقدي والمالي"، مبيناً أنه "لا يقلُّ أهمية عن الاستقرار السياسي والأمني".
العلاق لفت إلى أن "البنك المركزي أطلق مبادرات متعددة لتمويل العقارات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث تم منذ عام 2016 وحتى الآن تمويل مشاريع بقيمة 13 تريليون دينار، مما أسهم في ديمومة عجلة الاقتصاد، فضلاً عن تخصيص 1 تريليون دينار لتشجيع المواطنين والشركات على شراء وحدات الطاقة الشمسية".
وزاد بالقول: إن "هناك ترتيبات جارية لتمويل المشاريع الصناعية بالتنسيق مع المصرف العراقي للتجارة والمصرف الصناعي"، مبيناً أن "السيولة المتوفرة لدى المصرف العراقي للتجارة ستُستثمر لدعم هذه المشاريع، إلى جانب أموال المصرف الصناعي، بهدف إطلاق مبادرة كبيرة لتمويل المشاريع الصناعية، والتي من المتوقع أن ترى النور قريبا".
وأكد أن "مجلس الوزراء، وافق على تعزيز التعاون بين المصارف الحكومية ذات الفائض المالي لتمويل المشاريع الصناعية من خلال المصرف الصناعي، باعتباره الجهة المختصة بهذا المجال"، مؤكداً "قرب إطلاق هذه المبادرة الكبرى".
صناعة الغاز
في غضون ذلك، بين مستشار رئيس الوزراء الدكتور فلاح جاسم العامري، أن العراق يقود عملية تطور في الصناعة الغازية.
وقال العامري لـ"الصباح": إن "البرنامج الحكومي سابقاً وكذلك الحالي، تضمن متابعة حثيثة من الحكومة للنهوض بواقع الصناعة النفطية، خصوصاً الغاز، والجهود التي تبذل من أجل ذلك من خلال تقليص حرقه ووصوله إلى نسبة 30 بالمئة، وتقليص استيراد الغاز من الدول المنتجة والاستفادة منه في تزويد شبكة الكهرباء الوطنية وتقليل التلوث".
واستبعد العامري، "انخفاض أسعار النفط خلال المرحلة المقبلة، كونه يؤدي إلى تضرر الاقتصاد العالمي، وأن هنالك الكثير من المنشآت الاقتصادية في العالم تعتمد على النفط بشكل كامل في صناعاتها".
منصة العراق للتنمية
من جانبه، وصف مدير "منصة العراق للتنمية" آشتي علاء الدين مثل هكذا مؤتمرات بالـ"مهمة جداً" للعراق لتسليط الضوء على الفرص الموجودة للاستثمار الخارجي، وتشجيع المستثمرين للمجيء للعراق ليروا الإمكانيات والفرص المتاحة أمامهم.
وقال علاء الدين لـ"الصباح": إن "الهدف من عقد مثل هكذا مؤتمرات، تعزيز العلاقة بين الشركات العراقية والأجنبية وتقريب الآراء بين القطاعين العام والخاص وتسليط الضوء على العوائق سواء الاستثمار الداخلي أو الخارجي"، مشيراً إلى أن "المؤتمر ركز على 9 محاور هي (النفط والغاز والكهرباء والبيئة والمياه وتنويع الاقتصاد وأمن الطاقة والعلاقة بين بغداد وأربيل والمبادرات التعاونية المشتركة بين الخارج والداخل)".
وأوضح، أن "النفط والغاز يعدّان من أهم القطاعات التي تعوِّل عليها الدولة والاقتصاد العراقي، إلا أن الهدف الرئيس هو تنويع الاقتصاد والتحوُّل من الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على النفط إلى محاور أخرى يمكن أن تزيد دخل العراق وبالتالي تحسين مستوى الفرد العراقي".