التوزيع العادل للثروة وفوائد مصرف الرافدين

الثانية والثالثة 2019/08/06
...


محمد عبد الجبار الشبوط
 
تنطلق افكار هذا المقال من رؤية تقول ان اموال البلد وثرواته ملك لاهله. وينطبق هذا بشكل اساسي على النفط والغاز، وعلى الضرائب والرسوم التي تستوفيها الدولة من المواطنين وغيرهم. وقد اقر الدستور هذا الامر بالنسبة للنفط والغاز في المادة (111) التي تقول:”النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات.”
ومن واجب الدولة، من بين امور اخرى، ضمان التوزيع العادل للثروة في المجتمع.
ويتحقق ذلك من خلال آليتين اساسيتين هما العمل والحاجة. فعلى اساس العمل الذي يبذله المواطن، ينال حصته من المال العام. ولذا تجتهد الدولة في ان ينال العاملون لديها او في القطاع الخاص اجورا عادلة ومنصفة وكريمة. 
وهذا هو الذي دعاني ان ابذل جهودا كبيرة من اجل تحسين اوضاع العاملين في شبكة الاعلام العراقي عن طريق زيادة رواتبهم، والامر نفسه حققته مع الفنانين وغيرهم في الاعمال الدرامية الكثيرة التي انتجتها الشبكة يوم كنت رئيسا لها. وقد انتقدني البعض للاجور المريحة التي كنا ندفعها للفنانين. وكان جوابي ان هؤلاء مواطنون عراقيون وهذه هي احدى الطرق لكي ينالوا حصة كريمة من ثروات بلادهم من خلال الاعمال الفنية التي يقومون بها لصالح الشبكة.
هذا بالنسبة للقادرين على العمل، اما غير القادرين لمختلف الاسباب فهؤلاء ينالون حصتهم من ثروة بلادهم عن طريق شبكة الحماية الاجتماعية او الضمان الاجتماعي.
كما يتعين على الدولة معالجة اوضاع الذين يعانون من “اللامساواة الطبيعية”. وهم الذين يعانون من الفقر والعوز لاسباب خارجة عن ارادتهم تماما، في مقابل اخرين يتمتعون بمباهج الحياة لاسباب خارجة عن جهودهم المباشرة. 
وقد بين القرآن طريقة معالجة هذه الحالة من خلال مبدأ: “وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ”.
اما الآلية الثانية فيتم بموجبها تحديد حصة للمواطن من الثروة العامة، في ضوء حاجته الفعلية الى التمتع بحياة كريمة. وقد تكون الحياة الكريمة عبارة نسبية تختلف من مجتمع الى اخر، لكن في عصرنا الراهن اصبحت الخطوط العريضة او الحد الادنى لها معروفا ومشتركا. قد تنشأ الحاجة بسبب عدم قدرة المواطن على العمل اطلاقا، او بسبب عدم كفاية عمله على سد احتياجاته من السلع والخدمات التي يتطلبها الحد الادنى من الحياة الكريمة. 
في هذه الحالة يقوم المجتمع، مباشرة او من خلال الدولة، بسد فاقة المحتاجين، ليس من باب الصدقة والمنة، بل من باب الحق والتضامن الاجتماعي.
بمقدور الدولة ان تبتدع طرقا شتى لمساعدة المحتاجين من مواطنيها. ومن هذه الطرق الاقراض الميسر لهؤلاء المواطنين. ويتوقع المواطن المحتاج ان يحصل على قرض صغير من الدولة بشروط ميسرة وفائدة رمزية. وهذا امر معمول به  في كثير من الدول.
تقوم المصارف الحكومية عدنا هذه الايام بالاعلان عن قروض صغيرة للمواطنين العاملين في القطاع العام والموطّنة رواتبهم في البنوك التي تقدم القرض.
 لكني  لاحظت ان هذه البنوك تحمل القرض الصغير فائدة قد تبلغ نسبتها 40 ٪، بحجة السداد الميسر شهريا. فمن يقترض 10 ملايين دينار مثلا لغرض شراء سيارة تكسي يشتغل عليها، سوف يدفع للدولة نحو 14 مليون دينار. 
بلا جدال هذا مبلغ كبير وحمل ثقيل على مواطن محدود الدخل. ما كان للدولة ان تقدم على مثل هذه الخطوة. هذا “بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ”. 
واعرف الكثيرين من المواطنين الذين تقبلوا على مضض هذا الحمل الثقيل لان حاجتهم الى المال القليل كبيرة، والدولة ببساطة ووضوح تقوم باستغلال هذه الحاجة بشكل فاحش، ومخالف لحق المواطن بالمال العام عند حاجته اليه.