ابراهيم العبادي
شعر العراقيون بقلق ومخاوف كبيرة من تصاعد الجدل السياسي في البلاد واتساع نطاق الاختلاف على كل صغيرة وكبيرة تتداولها وسائل الاعلام، هذا الخوف مرده التشابك السياسي والاعلامي الذي بات ينذر بالاسوأ، مذكرا العراقيين بمرحلة ما قبل اجتياح داعش لمناطق غرب العراق، فنذر الانقسام الطائفي والاحتراب السياسي تزداد بشكل تراكمي كلما اثار السياسيون قضايا خلافية، تصبح مادة للاشتغال الاعلامي بين شحن وتحفيز ومواقف متعارضة. بما يهدد المعطى الايجابي الاهم الذي تحقق بعد عام 2003.
فرغم كل عيوب الديمقراطية العراقية الهجينة، الا ان ثمة ما يفتخر به عراقيا، وهو حرية الكلام والتعبير عن الرأي وتعاظم سلطة الاعلام والرقابة الشعبية وكلاهما من مؤشرات تنامي الديمقراطية وتعمق سلطة الشعب، رغم اخفاقات العمل الحزبي وغياب السلوك الديمقراطي بشكل عام .
الا ان هذه الحرية غير المسبوقة لوسائل الاعلام، واعتياد ساسة وبرلمانيين واشباه فاعلين سياسيين ودينيين، على التصريح للقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، بشكل مكشوف لا يراعي حساسيات البلاد، جعل من مكاسب الديمقراطية امرا مشوبا بالتشكيك ، فقد باتت البلاد تشهد مناوشات كلامية وحروبا اعلامية واستقطابات طائفية وحزبية، يؤججها اعلاميون وبرامج تلفزيونية ومواقع خبرية، بل وحتى مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وعاد العراق الى هويته التاريخية المعروفة، بكونه بلد القيل والقال، والجدل بلا نهاية، والصراع على كل شيء، ابتداء من الرياضة الى السياسة مرورا بالدين والثقافة والطوائف والاعراق .
ما تشهده البلاد من سخونة في المواقف والمشاعر والبيانات والاتهامات المتبادلة، يدعونا الى الحذر من الاستغراق بهذه الظواهر الخطيرة التي عطلت بناء الديمقراطية، واشاعت القلق والاحباط في داخل البلاد وخارجها، فثمة ما يدعو الى القلق من تنامي العدائية والانقسام السياسي، بشأن قضايا عديدة ترتبط بمستقبل البلاد وسياستها ازاء الاخر ومصالحه، واصبح الانقسام في المواقف والتعصب لوجهات النظر والمغالاة في التعبير عن الاراء، سمة خطيرة تفرغ الديمقراطية من محتواها، لا بل تهدد النظام السياسي من اساسه، وقد تنسف الحريات التي هي اهم مفاخر الحياة السياسية العراقية راهنا، فقد صار الاعلام يتسابق في استدراج مدمني الظهور الاعلامي لمواقف تعبر عن وجهات نظر حزبية متعارضة، واصبح الشد الاعلامي يرتكز على قاعدة الجهر بالامور الحساسة وفتح قضايا التأزيم والمسكوت عنه والنفخ في رماد الازمات والمشكلات بما جعل الناس تدور في دوامة خطاب اعلامي وسياسي منهك ومدمر، وكأن هناك منهجا مدروسا ومتعمدا لاثارة وتأجيج قضايا تتحول بفعل الشد الاعلامي الى قنابل سياسية خطيرة تمهد لحرب تصفيات سياسية، وما ان يرتكب المتحدثون اخطاء في التعبير او التفسير حتى تنفتح قرائح المدح والذم والتأييد والرفض، ليزداد انقسام الجمهور ذي الذاكرة المشحونة بانقسامات الهوية والصراع القومي والطائفي.
الاعلام صدى الواقع ومرآة للحياة اليومية، ويوميات العراقيين مليئة بالسرديات والمظالم الكبرى والحقوق المهضومة، والعراقيون مستعدون للصراع على كل كلمة تقال بقصد او بدونه، لتتحول الى مشكلة كبيرة ترهن امن البلاد واستقرارها نحن نعيش فائضا من الخطابات المؤدلجة التي لا تقود الا الى الخراب والاحتراب والصراع الذي اوقف عجلة الزمن في العراق وجعلنا نخسر فرصا كثيرة للنهوض والتعويض عن خسائر مهلكة تدفع هي الاخرى الى مزيد من اجترار الخطابات والكلام الزائد بلا
جدوى .