دعوات لتشريع قوانين تنظم عمل منظمات المجتمع المدني

الثانية والثالثة 2019/09/03
...

بغداد / هدى العزاوي
 
بعد سقوط النظام المباد في عام 2003 وتفكك مؤسسات الدولة؛ ساد الانفلات بشكل كبير في العراق ما أدى الى سلوك اجتماعي مرتبط بتحولات طارئة تمكن الكثيرون من خلالها من ممارسة دور عبثي بحثاً عن المكاسب المادية والشهرة وغايات أخرى، وأسس أفراد ومجموعات “منظمات مجتمع مدني” من دون أن يفهموا طبيعة إدارتها وضمان القدرة على تحقيق الأهداف التي تأسست لأجلها تلك المنظمات، ما دعا جهات برلمانية وقانونية وشعبية إلى المطالبة بسن تشريعات قوانين لتنظيم عمل منظمات المجتمع المدني وعدم ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للفوضى في هذا المجال.
 
وصل عدد منظمات المجتمع المدني في عموم العراق الى أكثر من 3200 منظمة بعضها مسجل لدى دائرة منظمات المجتمع المدني والبعض الآخر غير مسجل، وهذا ما أكده في تصريح صحفي سابق رئيس لجنة منظمات المجتمع المدني النيابية عمانؤيل خوشابا، مشيرا الى أن “اللجنة تعمل بالتنسيق مع دائرة منظمات المجتمع المدني غير الحكومية لإغلاق المنظمات الوهمية التي يقتصر عملها على أعمال مشبوهة من خلال ابتزاز المواطنين”، مؤكداً على أن “الفصل التشريعي القادم سيشهد إغلاق جميع المنظمات الوهمية والسعي الى تشريع سلسلة من القوانين التي تنظم عمل منظمات المجتمع المدني”.
وبشأن ما يعرف بـ”المنظمات الوهمية”، يوضح مستشار النائب الأول لشؤون المجتمع المدني وحقوق الإنسان عباس الشريفي في تصريح خاص لـ«الصباح»، أن «مفردة (المنظمات الوهمية) غير واضحة، فإذا كان القصد منها بأنها غير موجودة وغير مسجلة فدائرة منظمات المجتمع المدني عندما تسجل منظمة تشترط أن يكون لديها موقع 
ونظام داخلي وأشخاص عاملون، هذا من جانب، ومن جانب آخر قد تعمل هذه المنظمة لمدة أشهر أو سنة على أقل تقدير ولكن وبسبب قلة الدعم المادي 
وعدم حصولها على منح خارجية كما كانت بعد عام 2003 تكون هذه المنظمة غير قادرة على إيفاء حتى إيجار المقر، إذا كان هذا ما يقصد بالمنظمة الوهمية؟!».
ويؤكد الشريفي خلال حديثه لـ «الصباح»، بأن «الكثير من المنظمات تبني قاعدة فكرتها على تأسيس المنظمة ومن ثم الحصول على المنح، وهناك مشكلة منذ عام 2003 تتعلق بالنظام الذي يدعم المنظمات غير الحكومية -المبني مع الأسف- على أسس مشوهة وبعيدة عن الطوعية التي تؤسس من أجلها المنظمة، ولكن بعد عام 2014 وجدت منظمات لغرض خدمة المجتمع وبشكل طوعي كالفرق التطوعية لإغاثة النازحين ومساعدتهم».
 
عمل ممنهج
يقول أحد أعضاء منظمات المجتمع المدني «رافضاً الاشارة الى اسمه» -لحساسية  المعلومات- في حديث لـ «الصباح»: إن «لدى أغلب المنظمات شهادة تسجيل في دائرة المنظمات في الأمانة العامة لمجلس الوزراء؛ إلا أنها غير ممولة من الجهات الحكومية، لذا استُغِل بعضها لحساب الجهات التي تقوم بتمويلها وعملت في الظاهر خدمة للفئة التي جاءت وتأسست من أجلها ولكنها في حقيقة الأمر حققت منافع شخصية بحتة وتوهم الجميع بأنها مازالت تعقد المؤتمرات والندوات المحلية والعربية والعالمية من دون أن تقدم شيئاً يذكر للفئة التي تدعي أنها تمثلها في العراق».
وأوضح المتحدث، أن «هناك منظمات مسجلة تركت العمل لقلة الدعم أو انعدامه أو محاربتها من قبل جهات سياسية متنفذة، لذا وجدت طريقها للاندثار، كما إن الموافقات الأصولية لا يمكن استحصالها من الجهات ذات العلاقة، ويشترط عليها الامتناع عن التظاهر على هذا الموضوع أو تلك القضية وهذا خرق دستوري رغم أن التظاهرات حق كفله الدستور، وأخيرا فإن القليل من هذه المنظمات عملت بمهنية وعلمية واستطاعت أن تنتزع الحقوق وتحقق أهدافها المشروعة».
يعود مستشار لجنة المنظمات المجتمع المدني النيابية عباس الشريفي في حديثه لـ”الصباح”، ويقول: إن “دائرة المنظمات غير الحكومية تتابع التقارير المالية للمنظمات التي وافقت على تسجيلها والتي يفترض أن تقدم تقريراً مالياً يخص ما حصلت عليه من أموال، بالإضافة الى تقديم تقرير إداري آخر يخص أنشطة المنظمة، ومع الاسف الشديد فإن هذا الأمر غير محقق بسبب عدم امتلاكهم للسجلات أو تلاعب البعض منهم بها أو بسبب صعوبة ونوعية التقارير المقدمة من قبل دائرة منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، وذلك بسبب الفرق بين المنظمات وعملها وإيراداتها المالية، حيث تقدم الدائرة انموذجا قد يصعب على المنظمات الفقيرة تعيين محاسب مالي لتقديم التقرير السنوي، وبالتالي تجد الكثير من المنظمات عازفاً عن تقديم تلك التقارير”.
ويرى الشريفي بحسب قناعته أن “عدد المنظمات التي قدمت تقريرها المالي لدائرة المنظمات لا يتجاوز 20 أو 30 بالمئة”، ويتساءل: “وسط هذه البيانات، كيف ستراقب دائرة المنظمات التقارير المالية لما تبقى من المنظمات الـ 3200!!”.
 
منظمات مختلطة
“منظمات فاعلة وأخرى لا فعل لها”، بهذه العبارة استهل حديثه لـ “الصباح” رئيس هيأة حقوق الانسان غير الحكومية الدكتور صلاح بوشي، مؤكدا على أن “فلسفة العمل المؤسساتي والطوعي تتحكم في الآلية وسياق لا يقبل المراوغة والانتهاز من حيث الحضور وإثبات أن هذه المنظمة ذات طابع غير حكومي ولا سياسي ولا ربحي، لذا هناك حاجة الى أن تتحمل المسؤولية الفعلية في إبراز الشخصية المعنوية للمنظمة بحكم النظام الداخلي لها وصراحة بيانها التأسيسي، والطابع الأخلاقي الملاصق للمهنية واحترامها واجب على المؤسس أولا ًوالهيأة التنفيذية والعامة ثانياً”.
ويضيف بوشي، إنه «في بداية سنوات التغيير والتحول من النظام الشمولي الى المؤسساتي، برزت على الساحة الاجتماعية مسميات بعضها معافى استمر بالحياة العملية والنضالية لتحقيق الاهداف العامة التي أسست لها المنظمات، وبعضها الاخر أصيب بمرض التحزب والتبعية وأصبح منظمة منتمية ومدافعة لجهة معينة، وأخرى وهمية غير مسجلة تثبت حضورا وتنافسا خاليا من أية اهداف، كما إن هناك منظمات مسجلة رسمية إلا أنها غير فاعلة».
ويشير بوشي الى نقطة جديرة بالاهتمام «بشأن نشر ثقافة النزاهة في مفاصل منظمات المجتمع المدني التي يجب أن تخضع ايضا الى الرقابة حتى يكون لدينا مجتمع مدني فاعل ومتعاون لأجل الوطن وليس لأغراض أخرى».
 
السلطة الخامسة والقانون
من جانبه، بين رئيس مؤسسة “همم للخطاب الاعلامي والتنمية البشرية” أحمد العنزي في تصريح خاص لـ”الصباح”، إنه “عندما بدأت سلطة الاعلام في أخذ مكانتها الحقيقية باعتبارها (سلطة رابعة)،
 ذهب النظام الديمقراطي بعد عام 2003 لتأسيس منظمات المجتمع المدني باعتبارها (سلطة خامسة) وهي تمثل نبض الشارع العراقي والارادة الشعبية والمسجلة في دائرة المنظمات غير الحكومية للأمانة العامة
لمجلس الوزراء، ولكن من المزمع أن يكون هناك تقنين ومتابعة دقيقة لعمل المنظمات المسجلة والتي تعمل في العراق من قبل اللجان البرلمانية خاصة في الفصل التشريعي القادم، لذا نحن كمنظمات مجتمع مدني مع هذا التوجه كون بعض هذه المنظمات وهمية وغير مسجلة وتقوم بأعمال مشبوهة قد تكون مرتبطة بأجندات خارجية أو منتمية لبعض الاحزاب المتنفذة، بالتالي خرجت تلك المنظمات عن طبيعة العمل الذي تأسست من أجله للخدمة المجتمعية، بالتالي أصبحت بعض المنظمات معولا لتهديم العملية الديمقراطية في العراق”.ويلفت العنزي، الى أنه “يجب الاشادة بالدور الذي لعبته منظمات المجتمع المدني بحسب اختصاصاتها المختلفة منها الانسانية على مستوى تقديم المساعدات للنازحين، فضلا عن المنظمات التخصصية التي اثبتت وجودها على الساحة الاعلامية والتي ساهمت وبشكل كبير في بناء الوعي المجتمعي لاسيما مابعد مرحلة داعش الإرهابية، فالعراق كان أحوج ما يكون الى منظمات مجتمعية للعبور الى بر الأمان، وهذا ما طمح اليه الكثير من الناشطين عبر تصريحاتهم في وسائل الاتصال الجماهيري من جهة وعبر عملهم في منظمات المجتمع المدني من جهة أخرى”.
 
قانون برلماني
ويقول المراقب الدولي لحقوق الانسان الحقوقي صباح العزاوي في تصريح خاص لـ «الصباح»: إنه «بعد عام 2003 ووفقاً للنظام الديمقراطي الجديد، أسندت مهمات كبيرة لمنظمات المجتمع المدني وقدم لها دعم كبير، لكن أغلب المنظمات التي سجلت في العراق كانت (وهمية) مع تلاشي بعضها بسبب قلة الدعم، إلا أن قانون منظمات المجتمع المدني الذي صادق عليه مجلس النواب كان واضحاً جداً بأن لكل عراقي حق تأسيس منظمة غير حكومية أو الانتماء اليها أو الانسحاب منها، وإن الهدف من القانون هو تأمين تأسيس المنظمات غير الحكومية والانضمام إليها الذي يكفله الدستور ولغرض تسجيل المنظمات غير الحكومية العراقية وفروع المنظمات غير الحكومية الأجنبية استناداً الى أحكام البند اولاً من المادة (61) والبند (ثالثا) من المادة (73) من الدستور صدر قانون رقم 12 لسنة 2010».
ويؤكد العزاوي، إن «الهدف من القانون المذكور، هو تعزيز دور منظمات المجتمع المدني ودعمها وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها وفق القانون وتعزيز حرية المواطنين في تأسيس المنظمات غير الحكومية والانضمام اليها بإيجاد آلية مركزية لتنظيم عملية تسجيل المنظمات غير الحكومية العراقية والاجنبية، ويشترط في العضو المؤسس أن يكون عراقي الجنسية أو مقيما في العراق قد أكمل الـ 18 عاماً وكامل الاهلية غير محكوم عليه بجناية غير سياسية أو جنحة مخلة بالشرف».
ويوضح الحقوقي العزاوي، إنه «يجري تقديم طلب التأسيس الى الدائرة موقعاً عليه من المؤسسين على أن لا يقل عددهم عن (3) ثلاثة اشخاص، متضمنا ما يأتي اسم المنظمة (الرسمي) باللغة العربية أو اللغة الكردية مع اللغة الانكليزية، عنوان المنظمة المؤيد من جهة رسمية مختصة، أسماء الاعضاء المؤسسين وأرقام الهواتف الخاصة بهم والبريد الالكتروني إن وجد، كما يشترط ان يتضمن النظام الداخلي
 للمنظمة بيانا مفصلا عن أهدافها ووسائل تحقيقها فضلاً عن عنوان المكتب والاسم الرسمي الذي اختارته لها فضلا عن بيان الهيكل التنظيمي للمنظمة وآلية الانتخاب وصلاحيات كل هيأة من هيئاتها، وتحديد الجهة داخل المنظمة التي لها صلاحية تعديل النظام الداخلي واتخاذ قرار الحل أو الاندماج أو التجزئة ونقل الأموال داخل المنظمة مع مراعاة الفقرة أولا ورابعاً من المادة 22 وغيرها من البنود في القانون المذكور آنفاً».  ويسترسل العزاوي في بيان خطوات وآليات تسجيل منظمة المجتمع المدني، فيقول: “تقوم الدائرة بفتح سجل خاص للمنظمات غير الحكومية وشبكات المنظمات غير الحكومية وفروع المنظمات غير الحكومية المسجلة لديها يتضمن اسم المنظمة أو الشبكة أو الفرع ومجال نشاطها وعنوانها الكامل وأية إجراءات اتخذت في شأنها أو عقوبات فرضت عليها، كما ويحظر على المنظمة غير الحكومية أن تتبنى أهدافاً وتقوم بأنشطة تخالف الدستور والقوانين العراقية النافذة، وتمنع من ممارسة الاعمال التجارية لغرض توزيع الاموال على اعضائها للمنفعة الشخصية، أو استغلال المنظمة لغرض التهرب من دفع الضرائب”.