إصابات بين المتظاهرين والقوات الأمنية ومطالبات بالتهدئة وضبط النفس

الثانية والثالثة 2019/10/02
...

بغداد/ الصباح

تظاهر آلاف العراقيين أمس في بغداد وعدد من المحافظات، احتجاجا على سوء الخدمات وتفشي الفساد والبطالة، مطالبين بضرورة اجراء اصلاحات حكومية واسعة تشمل مختلف المجالات، وبينما استهجنت العديد من الجهات السياسية، استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين،  أكد القائد العام للقوات المسلحة، عادل عبد المهدي، البدء "فورا" بإجراء تحقيق مهني من أجل الوقوف على الأسباب التي ادت لوقوع الحوادث، مبينا ان اولوياتنا كانت وستبقى مركزة على تحقيق تطلعات الشعب المشروعة وإلاستجابة لكل مطلب عادل لمواطنينا.

وسبق تأكيدات رئيس الوزراء، باجراء "تحقيق فوري" لمعرفة اسباب وقوع الاحداث في تظاهرات الأمس، اتهام وجهته خلية الإعلام الحكومي، لمن وصفتهم بـ"مثيري الشغب" في احداث أعمال عنف بهدف إسقاط المحتوى الحقيقي للمطالب وتجريد التظاهرات من السلمية التي خرجت لأجلها.
وسط ذلك، دعا زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، الرئاسات الثلاث، الى فتح تحقيق عاجل للوقوف على تداعيات ما حدث أمس في ساحة التحرير، في حين طالب رئيس تيار الحكمة الوطني، السيد عمار الحكيم، بعقد جلسة طارئة لمجلس النواب لبحث احداث التظاهرات.
 
توفير الخدمات والقضاء على البطالة
فقد تظاهر الالاف أمس في ساحة التحرير وسط بغداد، وعدد اخر من المحافظات، للمطالبة بتوفير فرص العمل وإصلاح واقع المؤسسات الحكومية ومحاربة الفساد في البلاد، وسط انتشار أمني مكثف.
ورفع المتظاهرون الأعلام العراقية ولافتات دعت إلى تحسين أحوال المواطنين المعيشية وإبعاد "الفاسدين" من السياسيين.
ووفقا لمصادر اعلامية مختلفة، فقد تعرض المئات من المشاركين في التظاهرات الى اطلاق "الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع" الامر الذي تسبب بسقوط 200 جريح وقتيل واحد في ساحة التحرير وحدها بحسب بيان لخلية الاعلام الحكومي، بينما أعلنت المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق، أسفها الشديد لقيام القوات الامنية باعتقال 11 متظاهرا في محافظة البصرة و 30 متظاهرا في محافظة واسط.
 
تحقيق تطلعات الشعب
الى ذلك، أكد رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، عادل عبد المهدي، ان "اولوياتنا كانت وستبقى مركزة على تحقيق تطلعات الشعب المشروعة وإلاستجابة لكل مطلب عادل لمواطنينا الأعزاء، وقد حرصنا منذ البداية على وضع حلول حقيقية جذرية لكثير من المشاكل المتراكمة منذ عقود وبدأنا نتلمس النتائج المرجوة واننا مستمرون بالعمل على تحقيقها، ومازلنا على عهدنا الذي قطعناه لشعبنا في منهاجنا الوزاري بكل صدق ومسؤولية .
وذكر عبد المهدي وفقا لبيان رسمي تلقته "الصباح" "إننا لانفرق بين المتظاهرين الذين يمارسون حقهم الدستوري في التظاهر السلمي و ابناء قواتنا الأمنية الذين يؤدون واجبهم بحفظ أمن المتظاهرين وأمن الوطن والاستقرار والممتلكات العامة، ولكننا نميز بوضوح بين ضحايانا سواء من المتظاهرين السلميين أو قواتنا الأمنية البطلة التي تحميهم ، و المعتدين غير السلميين الذين رفعوا شعارات يعاقب عليها القانون تهدد النظام العام والسلم الاهلي وتسببوا عمدا بسقوط ضحايا من المتظاهرين الأبرياء ومن قواتنا الامنية التي تعرّض افرادها للاعتداء طعنا بالسكاكين او حرقا بالقنابل اليدوية".
وحيا رئيس الوزراء، أبناء القوات المسلحة الابطال الذين أظهروا قدرا عاليا من المسؤولية وضبط النفس والالتزام بقواعد حماية المتظاهرين، مشيدا في الوقت ذاته بالمتظاهرين السلميين الذين رفضوا الانجرار للتخريب واحترموا القانون والنظام.
وقال عبدالمهدي، انه "وفي الوقت الذي يحزننا ويدمي قلوبنا وقوع اصابات بين ابنائنا المتظاهرين والقوات الأمنية وتدمير ممتلكات عامة وخاصة ونهبها كالذي حصل أمس، فإننا بدأنا على الفور بإجراء تحقيق مهني من أجل الوقوف على الأسباب التي ادت لوقوع الحوادث" لافتا الى "تشكيل لجان، في وقت مبكر سبق التظاهرات، لتسلم جميع المطالب الشعبية والعمل على تلبيتها وفق القانون، وستواصل هذه اللجان عملها بجدية" .
وحث القائد العام للقوات المسلحة، الجميع على التهدئة وتفويت الفرصة على المتربصين بالعراق وشعبه وان يكون همنا الأول حفظ الأمن والاستقرار الذي تحقق بتضحيات شعبنا ودفاعه المشهود عن ارضه ومقدساته .
 
سلامة المتظاهرين والقوات الأمنية
من ناحيتها، اكدت وزارة الداخلية، التي تجول وزيرها في ساحة التحرير أمس، "ان للمتظاهر الحق بالمطالبة بحقوقه المشروعة، كما ان للقوات الأمنية الحق في المحافظة على سلامة المتظاهرين السلميين والممتلكات الخاصة والعامة".
وقال الناطق باسم الوزارة، اللواء سعد معن في تصريح لقناة "العراقية الاخبارية" "كان هناك بعض المندسين الذين حاولوا افراغ تلك التظاهرة السلمية من محتواها، ونحن مع حماية المتظاهرين وحماية المال العام والخاص، وكانت هناك العديد من الاضرار في البنايات والعجلات، فضلا عن وجود  اصابات بين صفوف القوات الأمنية".
 
تحقيق رئاسي عاجل
وعلى الفور من حصول اعمال عنف، دعا زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، الرئاسات الثلاث الى فتح تحقيق عاجل للوقوف على تداعيات ما حصل أمس في ساحة التحرير.
بدوره، عد رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، ماحصل أمس بـ"الأمر المؤسف" ودعا المحتجين الى الالتزام وضبط النفس والاحتكام للقانون والحفاظ على سلمية التظاهرات وتجنب الصدام مع الاجهزة الأمنية او تعريض المصالح العامة والخاصة للضرر والتخريب.
من ناحيته، دان ائتلاف النصر، استخدام القوة المفرطة بحق المتظاهرين السلميين، مطالبا الحكومة بفتح تحقيق شامل وتحقيق العدالة.
وذكر بيان للائتلاف تلقته "الصباح" انه "في الوقت الذي نطالب فيه بالحفاظ على الامن والسلم والممتلكات العامة والخاصة، فاننا نرفض تسييس التظاهرات الشعبية او توظيفها حزبيا ومصلحيا" مشددا "على ضرورة الحوار البنّاء والايجابي مع ممثلي المتظاهرين".
 
جلسة برلمانية طارئة
كما دعا رئيس تيار الحكمة الوطني، السيد عمار الحكيم، الى عقد جلسة طارئة لمجلس النواب لبحث تداعايات التظاهرات.
وقال الحكيم في بيان صحفي تلقته "الصباح" ان "استخدام العنف المفرط في تفريق المتظاهرين امر مستنكر وغير مقبول، وما حصل أمس من اجراءات لتفريق التظاهرات وأدى الى سقوط عدد من الضحايا في صفوف المتظاهرين والقوات الامنية بحاجة الى وقفة جادة ومراجعة عاجلة".
ودعا الحكيم، الى "عقد جلسة نيابية طارئة للوقوف على الاسباب والحيثيات والتداعيات وتطويق الفتنة وعدم جر الاوضاع الى ما لا تحمد عقباه تحاشيا للوقوع في المحذور". وطالب في الوقت ذاته "الأجهزة الامنية بالتعامل بحكمة وروية لاحتواء الموقف وتفويت الفرصة على المتصيدين، كما حث المتظاهرين على ان تتسم تظاهراتهم بالسلمية وعدم التعرض للأجهزة الامنية وعدم رفع الشعارات التي تتعارض مع الدستور والقانون".
 
"مثيرو الشغب"
من ناحيتها، اعربت خلية الاعلام الحكومي، خلال بيان حصلت "الصباح" على نسخة منه، عن أسفها لما رافق احتجاجات أمس من أعمال عنف، صدرت من  مجموعة من مثيري الشغب لإسقاط المحتوى الحقيقي لتلك المطالب وتجريدها من السلمية التي خرجت لأجلها.
وذكرت الخلية، انه في الوقت الذي "نعلن فيه تضامننا مع حرية التعبير التي كفلها الدستور، وانطلاقا من مبدأ المسؤولية الوطنية، ندعو المواطنين كافة الى التهدئة وضبط النفس، ونؤكد استمرار الأجهزة الأمنية في تأدية مهماتها حرصا منها على أمن وسلامة المتظاهرين".
كما ذكر بيان الخلية، ان وزارة الصحة قدمت العلاج الى الجرحى الذين استقبلتهم  المؤسسات الصحية، حيث سجلت حالة وفاة واحدة، فيما بلغ عدد الجرحى  (200) مصاباً بينهم (40) مصاباً  من منتسبي الأجهزة الأمنية، خرج عدد منهم بعد تلقيهم الإسعافات الأولية. 
 
حرية التعبير والتظاهر
الى ذلك، أعلنت المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق مراقبتها للتظاهرات التي خرجت في عدد من المحافظات.
وذكر بيان لها، ان "المفوضية وفي الوقت الذي تؤكد فيه على حرية التعبير عن الرأي وحق التظاهر السلمي والالتزام بالمطالب المشروعة في كفالة الحقوق وتأمين الخدمات وفرص العمل وتحقيق المساواة ومحاربة الفساد، فإنها تبدي قلقها البالغ وأسفها الشديد لقيام القوات الامنية باعتقال 11 متظاهرا في محافظة البصرة و 30 متظاهرا في محافظة واسط اضافة الى قيام قوات مكافحة الشغب بإطلاق العيارات النارية الحية والغازات المسيلة للدموع والمياه الحارة تجاه المتظاهرين وقيام قسم من المتظاهرين برمي القوات الامنية بالحجارة ما أدى الى إصابة المئات من المتظاهرين والقوات الامنية".
ودعت المفوضية "القوات الامنية الى ضبط النفس وعدم استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين وحماية حياتهم وكفالة حقهم في التظاهر السلمي، كما دعت في الوقت نفسه المتظاهرين الى الحفاظ على تظاهراتهم السلمية وعدم التجاوز على الممتلكات العامة والتعاون مع القوات الامنية لديمومة التظاهرات السلمية".
وطالبت المفوضية "الحكومة العراقية بتنفيذ التزاماتها الدولية الموقع عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والدستور العراقي من خلال الاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة بتوفير فرص العمل والارتقاء بالواقع الصحي والتعليمي وتعزيز واقع حقوق الانسان بجميع المجالات بما يكفل للمواطن العراقي حقوقه وحرياته".
ودعت المفوضية في بيانها "الرئاسات الثلاث الى فتح تحقيق في الأحداث التي رافقت التظاهرات وبيان اسباب خروجها عن السيطرة ".
وقفة تضامنية مع المتظاهرين
الى ذلك، نظمت نقابة المحامين العراقيين، أمس الثلاثاء، وقفة تضامنية في مقرها ببغداد ، لمساندة المطالب الشعبية و التظاهرات السلمية المطالبة بالحقوق . 
و حضر الوقفة نقيب المحامين العراقيين ضياء السعدي و عدد من أعضاء مجلس النقابة و بمشاركة عدد كبير من المحامين . 
و خلال كلمته طالب السعدي بضرورة إيجاد المعالجات الفورية لمشاكل البلد، و محاسبة المقصرين وسراق المال العام و تقديمهم إلى التحقيق و محاكمتهم ، مبينا أن محامي العراق يطالبون بالضرب بيد من حديد لمحاربة سراق المال العام و تقديمهم للتحقيق و محاكمتهم.
واشار نقيب المحامين، الى ان "النقابة ستتابع ما يجري و ستصعد من وسائل التعبير بالوقوف إلى جانب الشعب و تبني قضاياه إذا لم تتحقق المطالب المرجوة وفق الأطر القانونية و الدستورية و بما يمكّن الشعب من الخروج من أزماته الحالية".
 
رفض برلماني لاستخدام القوة
بدورها، وجهت رئاسة مجلس النواب لجنتي الأمن والدفاع وحقوق الإنسان النيابيتين بفتح تحقيق بالأحداث التي رافقت التظاهرات في ساحة التحرير. 
وأكدت رئاسة مجلس النواب، خلال بيان لها تلقته "الصباح" على حرية التظاهر السلمي التي كفلها الدستور بحسب المادة 38، داعية القوات الأمنية إلى حفظ النظام العام مع ضبط النفس وعدم استخدام القوة المفرطة مع المتظاهرين.
كما حثت رئاسة البرلمان، المتظاهرين على الالتزام بالسلمية في التعبير عن مطالبهم وعدم الاعتداء على القوات الأمنية والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.
وفي السياق ذاته، رفض عدد من اعضاء جلس النواب، التعامل بقوة مع المتظاهرين، فقد استنكرت النائب ماجدة التميمي الاعتداء الذي طال المتظاهرين العزل بساحة التحرير الذين خرجوا مطالبين بحقوقهم ، مستغربة استخدام القوة في ضربهم بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع.
وقالت التميمي في بيان تلقته "الصباح" ان "التظاهر حق اصيل كفله القانون والدستور، ما دام في اطار السلمية وعدم التجاوز على الممتلكات العامة والخاصة وان الدستور العراقي قد كفل حق حرية التعبير عن الرأي وحسب المادة (38) "مبينة ان "الشعب مصدر  للسلطة".
كما اعرب رئيس كتلة النهج الوطني، عمار طعمة، عن رفضه استخدام العنف  ضد المتظاهرين السلميين او الاعتداء على القوات الامنية  وتعكير العلاقة بينهما، داعيا جميع الأطراف لضبط النفس وتجنب التصعيد الذي يراهن عليه العدو المشترك .
وطالب طعمة، الحكومة بالاستماع والتجاوب مع المطالب المشروعة في تحسين الخدمات ومعالجة البطالة وتوفير الفرص المتكافئة وإيجاد الحلول الجادة للمشاكل الضاغطة على المواطن العراقي، حاثا في الوقت ذاته، المتظاهرين على الحفاظ على سلمية الاحتجاج والمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة وان تتركز المطالب على تصحيح مناشئ تلك الأزمات من تعديل قانون الانتخابات وضمان استقلالية الهيئات المسؤولة عن اجرائها ومكافحة الفساد المالي والاداري وتطبيق المعايير العادلة في توزيع الثروات الوطنية بين العراقيين.