عبد المهدي: لا نريد لهذه التظاهرات إلا النصر

الثانية والثالثة 2019/11/12
...

بغداد / الصباح 
 
 
أكد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي ان الحكومة عند رأي الشعب وإرادته، مجدداً ثقته بأن النصر سيكون حليفاً للحركة الإصلاحية الكبرى التي يقوم بها أبناء شعبنا في تظاهراتهم وأن الحكومة لا تريد لهذه التظاهرات إلا الخروج منتصرة، داعياً الجميع إلى استثمار “الفرصة الثمينة” كما وصفتها المرجعية الدينية لتحقيق منجزات الإصلاح، وكاشفاً في الوقت نفسه عن عشرات العقبات والعراقيل التي واجهت الحكومة منذ تشكيلها. 
وقال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في كلمته خلال جلسة مجلس الوزراء أمس الثلاثاء: “لقد ارتفعت الأعلام العراقية على العربات المدنية والعسكرية تحية واستذكاراً لمرور 40 يوماً على اندلاع حركة الاحتجاجات والتظاهرات الكبيرة والدعوة للإصلاح التي تم تبنيها واعتبارها حدثاً مهماً وفرصة ثمينة لإحداث إصلاحات في قضايا تراكمت لفترة طويلة من الزمن ضمن ملفات متداخلة”.
وأضاف، أنه “بلا شك سقط ضحايا كثيرون من أبنائنا أعزاء وغالين، وهو أمر محزن ويؤسف له، ولقد شكلنا لجنة تحقيقية تحدد المسؤوليات، وهؤلاء الضحايا سقطوا من المتظاهرين ومن القوات الأمنية”، وتابع: “إننا اليوم، وبعد مرور 40 يوماً على الأحداث، لا ننكر أن هناك حراكاً وزخماً كبيراً تولد في البلد لم يحرك سطح الأمور فقط وإنما حرك عمقها، وذلك أمر مهم، ودليل صحة وحيوية شعبنا وشبابنا وأنهم يحملون فعلياً المستقبل، فالجيل الحالي يتقاعد وتنتهي أعماله وتأتي أجيال لاحقة، وهكذا سنة الحياة تتجدد بتجدد الأجيال وبتجدد شبابية الأمة، ونعتقد أن هذه الحركة هي حركة مهمة حتى وإن رافقتها السلبيات، ولكن الإيجابيات الكبيرة تمحو السلبيات، ويمكن تجاوز السلبيات والبقاء ضمن حدود الإيجابيات والتعامل مع هذا الحدث كحركة إصلاحية كبرى، وليجري تسميتها بما شئتم (ثورة شبابية) أو (الفرصة الثمينة) كما وصفتها المرجعية الدينية العليا، أو (حركة إصلاح شاملة)، فكل هذه الأمور والمسميات صحيحة”.
 
تراكم الفساد
وأشار رئيس الوزراء إلى ما تم طرحه في الجلسة السابقة لمجلس الوزراء، من أن “في عمق هذه الحركة ودواخلها تعقيدات كثيرة وملفات عديدة متراكمة منذ فترات طويلة.. الفساد -على سبيل المثال- لم يتراكم خلال الأشهر العشرة الماضية، فالفساد موضوعة قديمة، منذ بدء الحصار في 1990 وما قبلها، والفساد يحصل حين يتم إضعاف النظام، فكلما كان النظام ضعيفاً كانت سياقات الحركة غير واضحة ومعرقلة أو منحرفة يزداد الفساد”، وأضاف، إن “العراق لم يكن -على الأقل في الستينات وبداية السبعينات- الفساد منتشراً فيه، لأنه في الحقيقة كانت هناك سياقات واضحة، بل كان العراق يعتبر من الدول المتقدمة ضمن دول المنطقة في هذا المجال”.
وأضاف، “لقد تراكم الفساد -كما أشرنا- خلال عقود وسنوات طويلة، وتراكم بسبب ظهور الثروات النفطية والاعتماد عليها وإضعاف القطاع الخاص وإضعاف النشاطات الحقيقية، فأصبحت (كعكة الدولة- الريع النفطي) هي الكعكة التي يتنافس عليها الجميع سواء داخل الدولة أو خارجها، القوى السياسية، القوى المجتمعية، حتى التشكيلات الخارجية الأجنبية أو الإقليمية، فالكل يعرف حجم الدولة الموجودة في العراق ويحاول أن يستحوذ على أكبر حصة من هذه (الكعكة)”.
وتابع: “لذلك، فإن الفساد ملف أساسي يجب معالجته والوقوف بوجهه، وهو لا يعالج فقط بقضية الشخصنة وإنما -كما ذكرنا مراراً- بمواجهة المنظومات التي تشجع على الفساد وتولد الأشخاص الذين يستفيدون من تلك المنظومات الفاسدة ويحمونها سراً وعلناً، وهو ملف طويل يحتاج إلى عمل مضاعف، ونعتقد اننا نحتاج إلى حركة إصلاحية داخلية كبيرة لسد كل منافذ الفساد، بمعنى سياق الآية الكريمة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فإن لم نغير سلوكياتنا وطرق عملنا فإنه لن يتغير شيء وتبقى الأمور تكرر نفسها، فالدولاب يدور، وفي كل دورة منه يزداد الفساد”.
وشدد عبد المهدي على إن “تحميل حكومة عمرها لم يتجاوز السنة مسؤولية ذلك فإن ذلك فيه مغالاة ومبالغة، فلقد شارك جميع الذين يبرئون أنفسهم اليوم بهذه العملية بطولها وعرضها، ولقد كانت معدلات المشاركة في الانتخابات الماضية تتجاوز 70 بالمئة، وعدد الأحزاب المشاركة يتجاوز المئات سواء من نجح أو من فشل”، مؤكداً إن “هناك إصلاحات حقيقية حالية في الدولة يجب المضي بها”.
 
حركة مطاليب
وأكد رئيس الوزراء، أنه “في هذه الحركة الاحتجاجية التي تشهدها البلاد، هناك حركة مطلبية واسعة، فهناك حركة تتعلق بالفقر، وحركة تتعلق بالتوظيف وتوفير فرص العمل، وأخرى تتعلق بتوفير الخدمات الأساسية من الماء والكهرباء وغيرها، ونعتقد أن ذلك يشكل الجسم الأكبر للحركة الاحتجاجية، وهو أمر يقع على عاتق الحكومة الحالية كما إن الحكومات السابقة مسؤولة عنه أيضاً، فنسب البطالة المرتفعة هي قضية تراكمية ولا تحدث خلال عام واحد، وكذلك نقص الخدمات هي مسألة تراكمية طويلة”، وأضاف، “لقد قيل لنا في البداية (عبرونا الصيف وعبرونا البصرة، وسنعتبر ذلك دليلاً على نجاح الحكومة) واستطعنا ذلك من حيث زيادة معدلات إنتاج وتوزيع الكهرباء وساعات التجهيز -رغم أنها لم تصبح مثالية- لكنها أعلى بكثير من السابق، ولقد استطعنا عبور مرحلة مهمة”.
وتساءل عبد المهدي: “هل كان العام الأول من عمر الحكومة، مريحاً!؟ وهل كانت الحكومة مطلقة اليد لتتصرف بصورة أفضل؟ وهل كانت لدينا موازنات كما كان في السابق من موازنات إنفجارية في فترات معينة؟ بل على العكس”، وسرد رئيس الوزراء العقبات التي واجهت حكومته منذ انطلاقتها فقال: “لقد واجهنا في البداية موضوعة التشكيلة الحكومية التي أخذت عدة أشهر، تأخر مناصب وزير الدفاع والداخلية، ونقص في بقية الوزارات، محاصصة، تنافس في مجلس النواب.. إلى آخره، وذلك كله يعطل عمل الحكومة”.
وأضاف، “لقد عملنا ضمن موازنة مصممة في 2018، ولا تنفع لـ 2019، وكل بنود الموازنة مملوءة بقنابل موقوتة وثغرات واختناقات ووسائل دفع غير دقيقة مع أعباء كثيرة، وبالتالي حين تُطالب هذه الحكومة بشيء، فإننا يجب أن نضع النقاط على الحروف في إيضاح الصلاحيات التي أعطيت لها، وعلى سبيل المثال، فإنه فقط من سلف غير مسددة من سنة 2014 إلى 2018 أكثر من 13 ترليون دينار عراقي، ولقد قمنا بزيادة موارد الخزينة ولم نتراجع فيها، وارتفعت احتياطات البنك المركزي، والنشاط الاقتصادي ازداد".
وأوضح عبد المهدي، إنه “كانت تجري الكثير من التظاهرات قبل أشهر، وكنا نحتويها ونستجيب لمطالبها ونجتمع بمختلف شرائح المجتمع ونتبنى الحلول، ولقد ذهب السادة الوزراء والتقوا بالمتظاهرين في مختلف المحافظات، ولقد استقبلنا في رئاسة الوزراء مختلف الشرائح وذهبنا إليها بأنفسنا واستجبنا للمطالب، ولم تكن لدينا مشكلة، ولكن في الأزمة الحالية، فإنها لا تتعلق بالمطاليب والخدمات، فلو كانت متعلقة بهما لكان أمراً سهلاً، لأنه رافق هذه الأزمة دخول عدد قليل جداً من المخربين الذين حاولوا منذ البداية الاصطدام بالقوات الأمنية، ورغم إقرار اللجنة التحقيقية بأنه كان هناك استخدام مفرط في القوة، ولكن يجب أن نرى الحالتين لا واحدة فقط”.
 
الأزمة الحالية
وأضاف، إنه “قبل الأزمة الحالية ماذا كان يقال في مواقع التواصل (يجب إسقاط النظام) و(صراع شيعي- شيعي)، ولقد كانت الأطروحة الرئيسة هي الدخول في صراع شيعي-شيعي وأنه بات أمراً محتماً وكانت هناك دعوات له، كما أن هناك أموراً كثيرة أخرى”، وأكد “يقيناً أننا نحتاج إلى تعديلات دستورية، ويقيناً نحتاج إلى تعديل قانون النظام الانتخابي الذي حذرنا منه سابقاً وقمنا بطرح عدة تعديلات عليه وأرسلناها إلى مجلس النواب الذي يعتمد على الامر نفسه الذي نقره اليوم وقمنا بالتفاوض من أجله مع رئاسة الجمهورية للوصول إلى صيغة مناسبة لقانون الانتخابات وقد طرحناه قبل أكثر من 9 أشهر، وهو التعديل الذي يتكلم عن أعلى الأصوات والوحدات المتعددة، ولقد أرسلناه سابقاً إلى مجلس النواب ولم تجر قراءته هناك، وبذلك لا يصح أن ترتد الأمور على الحكومة فقط”، واستدرك، “نعم الحكومة مسؤولة، لكن الآخرين مسؤولون أيضاً، الجميع مسؤول، ومن هم في الشارع أيضاً مسؤولون”.
وقال عبد المهدي: “إننا الآن حين نحاول إعادة النظام لمجاريه الصحيحة، فإن هناك من لا يرى أهمية فرض النظام”، وأضاف، “نعم التظاهر حق، ولا نريد لهذه التظاهرات إلا أن تخرج منتصرة، وهي منتصرة كما ذكرنا في جميع بياناتنا، وهي منتصرة لأنها هزت المجتمع والإنسان والمسؤول والتشريعات وكل شيء في هذا البلد، ونعتقد أننا يجب أن نستثمر هذه الفرصة الثمينة -كما ذكرت المرجعية- بكل جد وإخلاص وندرس كل مطاليبها، وننحني أمام شعبنا وننحني أمام شبابنا على هذه الفرصة الثمينة التي منحوها للجميع (حكومة، مجلس نواب، قوى سياسية، هيئات) كي تقدر على أن تتجاوز الكثير من العقبات السابقة”.
 
قانون التظاهر
وعرج رئيس الوزراء على بيانات ومواقف بعض الدول إزاء ما يجري في العراق في الوقت الحالي، وقال: إن “بعض الدول وبسبب الصور المؤلمة التي تبث من العراق، أخذت تنشر بيانات رسمية وغير رسمية بشأن التعامل مع التظاهرات والحريات، ونعتقد أن في العراق الشيء الكثير من الحريات، فهناك دول قليلة منها العراق فيه هذا العدد من الفضائيات ووسائل التعبير عن الرأي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهذه الحريات معروفة ولم تتوقف، ورغم حصول بعض التجاوزات عليها -وهو ما يحصل أيضاً في دول أخرى- إلا أن سلوك الدولة كان دائماً سلوكاً قانونياً، فنحن نجيز التظاهرات ونحميها، ولا نواجه سوى من يتعرض للقوات المسلحة، فحين تسعى مجموعة إلى دخول مقر عسكري أو تجاوز حاجز أمني باستخدام وسائل غير سلمية تجري مقاومتها -وتحديداً منذ يوم 25 تشرين الأول- بوسائل بعيداً عن استخدام الذخيرة الحية، وقبل ذلك في بداية التظاهرات جرى استخدامها وأحيل الملف للقضاء”.
وأضاف، “حين نريد الآن تطبيق القانون النافذ للتظاهر في العراق، وهو الأمر 19 الصادر من سلطة الائتلاف مع تعديلاته، وهو الأمر الذي شرع من دول تعترف بحقوق الإنسان ونظم بناء على سياقات يعمل بها في بلدانها”، وتابع: “هنالك الآن إخوة بين المتظاهرين والقوات الأمنية.. ونعود لقانون التظاهر ماذا يقول (يحظر على أي شخص أو مجموعة أو منظمة تنظيم مسيرة أو تجمع أو اجتماع إلا بترخيص سلطة الترخيص -التي أصبحت لاحقاً وزارة الداخلية بموجب الأمر 100- كذلك إلا إذا كان الأمر محدوداً بالأعداد التي تقرر سلطة الترخيص أنها لن تعرقل الحياة العامة، يمنع قانوناً أي تجمع أو تجمهر يعقد على الطرق أو الشوارع العامة والأماكن العامة”، وأشار إلى أن “كل ذلك ضمن القانون، فإن أردنا تطبيقه، فماذا ستقول المراكز الدولية!؟، ولكننا على العكس نجيز التظاهرات بكافة أشكالها وأينما اندلعت ونحاول أن نُفهم المتظاهرين أن هناك أمكنة مخصصة للتظاهر، ومع ذلك فإننا لا نتعرض للتظاهرات مادامت سلمية، وكل قواتنا الأمنية بوضع دفاعي لا ترد إلا حين تتعرض لهجمات”.
وسرد عبد المهدي جملة من المحظورات التي يمنع القانون المذكور من استخدامها في التظاهرات، مبيناً أن “الحكومة لا تطبق الكثير من الفقرات المقيدة للمتظاهرين في القانون، لأن منح الحرية لشعبنا يمنحنا آراء وأفكاراً تهز المجتمع والبنية الفاسدة نستطيع استخدامها لإصلاح أوضاع بلادنا”، وأضاف، إن “الشعب والقوات الأمنية ليسا طرفين، بل هما واحد”، وأكد إن “عدم ثقة الشعب بالحكومة لم يأتِ خلال شهور، بل جاء عبر تراكم لمنظومة غير صحيحة، ولقد جئنا لعلاجها، ولقد تشكلت هذه الحكومة لأن الطريق أصبح مسدوداً أمام الآخرين فلجؤوا إلى هذه الحكومة كحكومة تسوية وحكومة حل، ورغم ما واجهته منذ أسبوعها الأول من تسقيط وعرقلة وتشكيك فإن هذه الحكومة عند رأي وإرادة شعبها، وليست خارج إرادة مجلس النواب إذا شاء أن يعمل ما يشاء، ونحن مستمرون بأداء واجباتنا رغم الضغوطات، ونعتقد أننا خرجنا من قلب العاصفة، ولدينا ثقة كبيرة بالله وبشعبنا وبمرجعيتنا الرشيدة، وهذه الحركة تسجل كإحدى أهم الحركات الإصلاحية في تاريخ شعبنا، خصوصاً أن الشباب هم من يقوم بها، وهي ليست انقلابا عسكرياً أو تمرداً أو شيئاً آخر، ولا نريد للحركة إلا أن تخرج منتصرة، وهي تذكرة للجميع بالذهاب للإصلاح ولا نجد من خاسر إلا اللئيم والمتآمر وأصحاب النوايا السيئة وهم قلة، ونريد تحويل هذه الحركة إلى منجزات 
كبرى”.