سالم مشكور
منْ بين المطالب التي يرفعها البعض كسبيل للاصلاح السياسي في العراق، موضوع نظام الحكم، وتغييره من برلماني الى رئاسي، بينما يتحفظ البعض على هذا النظام كونه يمهد لعودة الدكتاتورية في بلد لا يمكن الاطمئنان فيه الى قوة الدستور في ضمان تداول السلطة، بعد حالات انتهاك هذا الدستور خلال السنوات الماضية، وبدلا من ذلك يتحدثون عن حل وسط هو النظام شبه الرئاسي، فما هي ملامح هذا النظام الرئيسة.
يقوم النظام شبه الرئاسي على توازن في الصلاحيات والقوة بين جهات الحكم الثلاث، الرئيس والبرلمان، والحكومة بما يخلق توازناً فعالا بينها يحقق الاستقرار السياسي. البرلمان منتخب من الشعب، والرئيس ينتخبه الشعب مباشرة فيقوم بتسمية رئيس للحكومة يصادق عليه البرلمان. فالبرلمان يشرّع لكنه لا يستطيع اقالة الرئيس، والرئيس بامكانه نقض ما يشرعه البرلمان، ورئيس الحكومة محكوم برأي الأغلبية داخل البرلمان.
لكن هذه الملامح الرئيسية تنطوي على تفصيلات متغيرة حسب كل بلد وما تقتضيه ظروفه، لذلك لا يمكن العثور على تطبيق واحد لهذا النظام، الذي اكتسب اسمه على يد العالم الفرنسي موريس دي فورجيه عام 1970 بعد سلسلة تغييرات دستورية في عدد من الدول للوصول الى نظام يتوسط النظامين الرئاسي والبرلماني. هناك دول طبقت هذا النظام لكنها واجهت مشكلة ازدواجية رأس السلطة التنفيذية، عبر التناكف بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وكلاهما يستمدان الشرعية من الشعب، الاول بالانتخاب المباشر، والثاني بالمصادقة البرلمانية، ولم تنته المشكلة الّا بالتحول الى النظام الرئاسي كما حدث في ايران أواخر الثمانينات.
في العراق فان تطبيق هذا النظام في ظل التوزيع الطائفي للسلطات سيكون أصعب بكثير، وستشهد البلاد في ظله المزيد من الخلافات والمناكفات التي تعرقل أي انجاز. فوجود سلطات ثلاث متساوية في القوة يعني انها ستتوزع بين المكونات الثلاث، وفي ظل عدم الثقة وتباعد التطلعات والنوايا، ستعمل كل رئاسة في اتجاه مختلف وستعيق عمل الرئاسات الأخرى اذا ارادت، خصوصا اذا كان راسا السلطة التنفيذية موزعين بين مكونين.هذا النظام ليس حلّا لمشكلة العراق السياسية، والنظام الرئاسي لا يشكل حلّا أيضاً، لانه يؤسس لدكتاتورية جديدة، فضلا عن أن المكونات الأصغر حجما ستراه حصرا للسلطة بيد المكون الأكبر، بينما النظام الحالي المشوّه المعالم، الذي يجمع بين البرلماني المنقوص والتوافقية المعيقة للعمل، لم يستطع اثبات جدارته حتى الآن.السؤال هنا: هل تكمن العلّة في الأنظمة السياسية أم في الاضطراب السياسي والاجتماعي والفكري و...الخ الذي نعيشه؟