الهدوء يعود إلى المنطقة الخضراء
الثانية والثالثة
2020/01/02
+A
-A
بغداد / الصباح
عاد الهدوءُ من جديد الى المنطقة الخضراء ومقتربات السفارة الاميركية في بغداد، بعد انسحاب المعتصمين من أمامها ونصب السرادقات على ضفاف دجلة.
وتأتي عملية الانسحاب بعد دعوة الرئاسات الثلاث، وهيئة الحشد الشعبي، للمحتجين بإخلاء المكان وعدم تصعيد الموقف، في ظل تشديد حكومي وامني على حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية في البلاد.
بالمقابل، تباينت مواقف الكتل السياسية في البلاد من الاحداث الاخيرة، ففي الوقت الذي يرى فيه تحالف الفتح ان ما حصل هو “ردة فعل” للاستهداف الاميركي لمقار الحشد، رفض تحالف القوى أي محاولة لاقتحام السفارة الاميركية.
وأقيمت، صباح امس الاول، مراسم شعبية وسط العاصمة بغداد، لتشييع شهداء الحشد الشعبي الذين سقطوا نتيجة القصف الأميركي في محافظة الأنبار مساء الاحد الماضي، بينما أعلن القائد العام للقوات المسلحة الحداد العام في البلاد لمدة ثلاثة ايام
الاحتجاج السلمي مكفول
وافاد رئيس الجمهورية برهم صالح في بيان تلقت “الصباح”، نسخة منه بأن “العراق يتعرض إلى تحديات خطيرة على مستوى تهديد أمنه وسيادته ومستقبل شعبه، فمحاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد تعد تجاوزاً للسياقات والاتفاقات الدولية الملزمة للحكومة العراقية”.
واضاف ان “الاحتجاج السلمي حق مشروع ومكفول بحسب الدستور، لكن التعرض إلى البعثات الدبلوماسية المعتمدة في العراق يعد ضرباً لمصالح العراق وسمعته الدولية بوصفه دولة ذات سيادة تحترم تعهداتها واتفاقاتها وتحمي البعثات الدبلوماسية داخل حدودها، فهذا استهداف للعراق وسيادته ودولته قبل ان يكون استهدافاً لأي طرف آخر”. وتابع “واجبنا وواجب القوات الأمنية حماية البعثات الدبلوماسية والمؤسسات الرسمية والمصالح العامة والخاصة، وهذا من صميم واجبها، ومن واقع الحرص على الأمن العام”.
واكد صالح “على بلاغ القائد العام للقوات المسلحة”، في إشارة منه إلى العقوبات القانونية التي ستلاحق أي اعتداء على السفارات والبعثات الدبلوماسية.
من جانبه، افاد رئيس الوزراء “المستقيل” عادل عبد المهدي، في بيان تلقت “الصباح”، نسخة منه، بأن “الضـــــربة الأميـــركية لقطــعاتنا العســكرية يـوم
29 /12 /2019، تمت ادانتها من قبل الحكومة بأعلى المستويات، واتخذت الحكومة سلسلة اجراءات وتدابير لمعالجة الوضع بما يؤمن سيادة العراق وأمن مواطنيه”.
واضاف عبد المهدي، أن “المراسم المهيبة لتشييع الشهداء جزء من الوفاء لدمائهم الزكية الغالية، لكن بعيدا عن الاحتكاك بمباني السفارات التي تقع مسؤولية حمايتها وتأمينها على الحكومة العراقية”. وتابع “نطلب من الجميع المغادرة فورا بعيدا عن هذه الأماكن”، مضيفا “نذكر بأن أي اعتداء أو تحرش بالسفارات والممثليات الأجنبية هو فعل ستمنعه بصرامة القوات الامنية وسيعاقب عليه القانون بأشد العقوبات”.
وكان عبد المهدي قد اعلن الحداد العام في البلاد لمدة ثلاثة ايام ابتداء من امس الاول، على أرواح شهداء قواتنا المسلحة من منتسبي اللواءين 45 و46 ومنتسبي الجيش والشرطة إثر الاعتداء الآثم الذي تعرضوا له.
ترامب يهاتف عبد المهدي
وتلقى رئيس مجلس الوزراء اتصالا هاتفيا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي استفسر عن الأوضاع في العراق وعن التطورات المحيطة بالسفارة الاميركية في بغداد”.
واضاف بيان صادر من مكتب رئيس الوزراء ان “عبد المهدي شرح ان الاحداث جاءت بعد الأحداث الأخيرة المؤلمة، وانه سبق وأن وضح - قبل يومين - لوزير الدفاع الأميركي اسبر خطورة تبعاتها”، مشيرا الى ان “عبد المهدي بين أن القوات الأمنية العراقية مستمرة في القيام بواجبها في حماية السفارة الاميركية وباقي البعثات الدبلوماسية والممثليات”.
واكد عبد المهدي في معرض الحديث عن الوضع الاقليمي ان “الحكومة العراقية سعت دائما للحفاظ على علاقات طيبة مع دول الجوار ومنها جمهورية ايران الاسلامية وكذلك الدول الغربية الصديقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية”، لافتا الى ان “الأوضاع تدهورت بسبب الخلافات بين الجانبين وان العراق يريد ان يكون بلد تفاوض وتهدئة ليبعد خطر الحرب عن العراق وعن الجميع”.
وبين عبد المهدي للرئيس الاميركي “انكم تذكرون بأنكم لا تريدون الحرب ونسمع من القادة الإيرانيين موقفا مشابها، وقد اكد العراق على أهمية التفاوض أو في الأقل الوصول إلى ترتيبات واتفاقات واقعية للتهدئة”، بينما أكد الرئيس الاميركي “ثقته بأهمية دور العراق وقيادته وما يمكن ان يلعبه في هذا المضمار”. واتفق الرئيسان على ابقاء الخطوط المباشرة مفتوحة بينهما لمتابعة الأمر.
الى ذلك، اعتبر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي أن محاولة اقتحام السفارة الأميركية “سلوك غير مقبول” يضر بمصالح العراق.
وقال الحلبوسي في تغريدة له في تويتر: إن “محاولة اقتحام السفارة الأميركية والاعتداء على مقرها سلوك غير مقبول يضر بمصالح العراق العليا ويسيء لصورة شعبنا”.
وأضاف “هو عمل يتنافى مع الأعراف والاتفاقيات الدولية”، داعياً الحكومة إلى “تأكيد التزاماتها بتعهداتها القانونية في حماية مقار البعثات الدبلوماسية”.
رسالة الحشد الشعبي
إلى ذلك، افادت هيئة الحشد الشعبي، في بيان تلقت “الصباح”، نسخة منه، بأن “الحشد الشعبي يدعو الجماهير المتواجدة قرب السفارة الأميركية إلى الانسحاب احتراماً لقرار الحكومة العراقية التي أمرت بذلك، وحفاظًا على هيبة الدولة، ويقول للجماهير المتواجدة هناك إن رسالتكم وصلت”.
وثمنت الهيئة “موقف القائد العام للقوات المسلحة والشخصيات السياسية والدينية والثقافية والشعبية الرافضة والمستنكرة للعدوان الأميركي الغاشم على قطعات الحشد الشعبي”.
ودعت الهيئة في بيانها الجميع إلى “المشاركة في مجالس العزاء الخاصة بالشهداء في بغداد والمحافظات وسيقام العزاء المركزي ببغداد في الجادرية، بالقرب من مطعم السفينة، حيث ستنصب سرادقات العزاء هناك”.
من جهته، اوضح مصدر امني أن “المعتصمين الذين انسحبوا من أمام السفارة الاميركية في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، بدؤوا بنصب سرادقاتهم على ضفاف نهر دجلة في الجهة التي تقابل مبنى السفارة”،
واكد المصدر ان “وزير الداخلية ياسين الياسري اشرف على انسحاب المتظاهرين من امام السفارة الأميركية.
بدوره، نفى جهاز مكافحة الإرهاب، في بيان مقتضب، تكليفه بمهمة حماية اية جهة، مؤكدا ان واجباته محددة بمكافحة الارهاب فقط.
حماية البعثات الدبلوماسية
وفي هذا الشأن، اكد وزير الخارجية محمد الحكيم، في تغريدة له عبر موقع «تويتر»، أن حماية الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية وسفاراتها تبقى مسؤولية العراق التي تعهد بها بموافقته على اتفاقية جنيف. واضاف الحكيم، تحدثت مع رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة بشأن إنهاء الاحتجاجات أمام السفارة الأميركية وسلامة الموظفين والمنشآت، موضحا أن رسالة المحتجين وصلت وأصبحت سلامة انسحابهم ضرورة.
اما عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان علي البياتي، فقد ذكر في بيان «نؤكد ان التظاهر حق مشروع للمواطن العراقي وهو اساس النظام الديمقراطي ولا بد من احترام مطالب المواطن العراقي مهما كانت والتعامل معها عن طريق الآليات الدستورية والقانونية».
وأضاف «من أهم أسباب ديمومة التظاهرات وتحقيقها لمطالبها هو الحفاظ علَى سلمية التظاهرات وحسن تنظيمها ووحدة ووضوح مطاليبها»، وبين «لا يوجد ما يبرر الاعتداء علَى المتظاهرين إلاّ في حالات الضرورة القصوى والدفاع عن النفس وبطرق تتجنب الضرر الكبير وفق المبادئ والمعايير الدولية للأمم المتحدة».
ولفت الى انه «من مسؤولية الحكومة حماية التظاهرات لتجنب الاصابات والضرر في الممتلكات العامة والتفاوض مع المتظاهرين لتهدئة الأوضاع كما هي مسؤوليتها حماية جميع البعثات الدولية المتواجدة في العراق بشكل رسمي وبموافقة الدولة».
إخراج القوات الأميركية
وسط ذلك، اتهم تحالف الفتح الذي يتزعمه هادي العامري، بحسب وكالة «واع»، واشنطن بعدم الالتزام بالمواثيق الدولية، بينما اعتبر أن ما حصل امام السفارة الاميركية في بغداد «رد فعل للاستهداف الأميركي» لمقار الحشد الشعبي في الانبار. وخاطب الامين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي، الاميركيين في تغريدة له، ان «العراقي لا ينسى وعده، عشر سنوات مرت على اتفاقية جلاء القوات الاميركية من العراق وما زالت دماء ابنائنا تراق بدم بارد من قبل صواريخ الحقد الاميركي».
واضاف «هذه المرة سنقول لكم إننا موجودون، ولن نسمح لكم بالرعونة مرة اخرى»، مضيفاً «إن عدتم عدنا». بينما اوضح عضو مجلس النواب سعد الخزعلي في تصريح صحفي أن «العام 2020 سيكون عنوانه لا وجود للقوات الاميركية في العراق»، مؤكدا أن «سيادة البلد خط أحمر بوجه كل من يريد الشر بالعراق وشعبه».
واوضح الخزعلي «جمعنا تواقيع وتم تقديمها بغية ادراج قانون اخراج القوات الاميركية على جداول اعمال الجلسات»، مشددا «سنعمل بكل قوة على تمرير القانون».
وكان اتحاد علماء المسلمين في محافظة ديالى قد اعلن امس الاربعاء، اطلاق حملة «أنا عراقي» لاخراج القوات الاميركية من البلاد.
وفي الشأن نفسه، اوضح النائب سليم همزة، في تصريح صحفي ان «استهداف القوات الرسمية العراقية من أي قوة اجنبية مرفوض ومخالف لجميع القوانين والمواثيق الدولية».
واضاف ان «الدستور العراقي والقانون العسكري لا يسمحان بالتعدي على القوات الرسمية والنظامية العراقية من أي طرف كان»، داعيا الحكومة الى «تجنيب العراق المزيد من الفوضى وانهاء جميع التوترات وتهدئة الاوضاع قبل فوات الأوان».
تنفيذ الاتفاقيات الدولية
واعلن تحالف القوى، في بيان رفضه محاولات الاعتداء واقتحام السفارة الأميركية في بغداد»، مطالباً الحكومة العراقية بـ»ضرورة الالتزام بتنفيذ الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية البعثات الدبلوماسية».
وأضاف أن «هذه التصرفات لا تمثل توجهات العراق الرسمية او الشعبية، كما لا يمكن السماح لأي جهة بان تفرض سيطرتها أو إرادتها على بلد مثل العراق، أو أن تجازف بدوره ومكانته بهذه الطريقة، كما نعد هذا الأمر تطورا خطيراً يسيء للعراق ومكانته، ويعرضه لعزلة دولية تؤثر في حاضره ومستقبله»، بينما قال رئيس المنبر العراقي اياد علاوي في بيان: «نشدد على ضرورة تحصين القرار السيادي العراقي وإبعاده عن أي تأثيرات جانبية»، مجدداً «رفضه القاطع لأن يكون العراق مسرحاً لصراع النفوذ والمصالح الخارجية بالوكالة، وأن يكون ابناؤه ضحيةً لذلك الصراع.
ودعا علاوي، إلى «الإسراع في تعديل اتفاقية تواجد القوات الأجنبية في العراق، أو إلغائها وتنظيم اتفاقية أمنية جديدة، إن اقتضت الحاجة، على أن تكون جميع تلك القوات تحت إدارة وقيادة الدولة العراقية». وحذر علاوي، من أن «عدم تكوين جيش قوي، بعيد عن المحاصصة، يعني أن العراق سيبقى خاضعاً لقوى خارجية ولن يكون بمقدوره الوقوف ضد قوى الإرهاب
والتطرف».
الى ذلك، أفاد رئيس حزب الحل جمال الكربولي، في بيان، بأن «محاصرة السفارة الاميركية وإضرام النار ببوابتها ضاربين المعاهدات الدولية عرض الحائط، مغامرة سياسية خطيرة ترهن حاضر العراق ومستقبله للمجهول».
واضاف ان «العراقيين يعون جيدا خطورة الأعمال التي تبرر فرض الحصار عليهم وإعادتهم الى البند السابع ولن يسمحوا بذلك».
وكانت وزارة الخارجية الأميركية، قد نفت اقتحام السفارة في العراق، مشيرة إلى عدم وجود خطط لاخلاء مبنى السفارة.
وذكرت الوزارة، أن «السفير الأميركي لدى بغداد في إجازة مخطط لها مسبقا، وأنه سيعود إلى السفارة قريبا».
وأضافت، أنه «لم تنتهك حرمة السفارة في بغداد»، مؤكدة «سلامة موظفيها».