{كورونا} وخارطة العالم

الثانية والثالثة 2020/03/08
...

رئيس التحرير

تحمل الاخبار كل يوم  حدثا جديدا، وتُثير حوله اسئلة لا حدود لها، في ما يتعلق بالسياسة أو بالاقتصاد والتجارة أو مايتعلق بالأمن، ولكن أخطر ما بات يقضُّ الافكار هو حدث فايروس كورونا، حيث تحول الى تهديد خطير، والى مشكلة عالمية عابرة للقارات، والعالم امام خيارات اشد تعقيدا واكثر نسيانا، فالحرب التجارية بين الصين واميركا بدت منسية وغائبة عن المشهد، والتهديدات النووية كما تُروّج لها السردية الاميركية عن كوريا الشمالية وايران لم تعد موضوعة على الطاولة، وحتى حروب الهامش الدامي في سوريا واليمن لم تعد تملك زخما في الاعلام الغربي والاميركي رغم التحولات الجيوسياسية العاصفة التي غيّرت موازين القوى فيها.
الانشغال بكورونا أثار صدمة كونية، ووضع الجميع أمام مصائر قلقة، وامام فراغ كبير، خلت فيه الملاعب من الجماهير، والمولات من المتبضعين، والتجمعات عن الصخب، والمؤتمرات عن السجال والجدل، والمعارض عن الفرجة. وبعيدا عن حسابات الحرب البايولوجية واسرارها، فإن مواجهة هذه الصدمة تفترض وضوحا كبيرا، ونظرا عميقا بالسياسات البيئية، والتعرّف على حجم التلوثات الخطيرة التي تعاني منها، لاسيما تلوثات التسلح، والاستخدام المفرط وغير الآمن للطاقة النووية، والاسلحة غير التقليدية، فضلا عن طبيعة ما تتركه الحروب التقليدية من آثار سيئة قد تدخل  التهديدات البايولوجية فيها عنصر الاباحة السيطرة على الاخرين، بما فيها السيطرة على الثروات وعلى التجارة وعلى موازين القوى.
اتساع خارطة الاصابة بفايروس كورونا يتطلب وعيا بخارطة العالم وبطبيعة ما يواجهه من اخطار، والتي قد تكون سياسات العنف والحصار والعقوبات مصدرا في تضخيم أخطار هذا الاتساع، وما يمكن أن يصنعه من رعب، ومن ضحايا، ومن مشكلات اقتصادية وبيئية وصحية، والذي يستدعي في جوهره اهتماما بالانسان نفسه بوصفه الضحية الأكثر ضررا لهذه الحروب والحصارات، ولمثل هذا الفايروس، أو لغيره من الفايروسات التي تصنعها السياسة والحروب والمصالح وسرديات السيطرة على العالم.
العراق من أكثر البلدان نشاطا في مواجهة تداعيات كورونا، وهذه شهادة أقرّت بها منظمة الصحة العالمية، ليس على مستوى الشفافية في الاعلان عن الاصابات حسب، بل بفاعلية الاجراءات الوقائية والتوعوية التي تقوم بها الجهات المسؤولة، فضلا عما تقوم به خلية الأزمة والجهد الاعلامي المميز الذي تنهض به شبكة الاعلام العراقي، والذي بات جهدا مشهودا له تتعزز فيه مسارات الوعي الصحي والبيئي والوقائي، بمسارات السياسة الوطنية وبرامجها التي تعتمد الدقة العلمية في اجراءات الفحص والحجر وفي السيطرة على المنافذ الحدودية والمطارات، فضلا عن التنسيق مع الجهات الصحية الدولية، وباتجاه تأمين أطر عملياتية وقانونية للحفاظ على المواطن والبيئة، وقطع الطريق على أيِّ انتشارٍ لهذا الفايروس في اوساط اجتماعية اخرى.