أسلمة التخلف

الثانية والثالثة 2020/03/09
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 

يعتقدُ عمومُ الاسلاميين، منذ حسن البنا وما قبله وما بعده، ان سبب معاناة المسلمين هو ابتعادهم عن الاسلام وعدم تطبيقهم لشريعة الله، ويستشهدون لذلك بآيات قرآنية كريمة مثل قوله تعالى:
  وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم. (المائدة 66)
و المراد بإقامة هذه الكتب، كما يقول محمد حسين الطباطبائي في الميزان، «حفظ العمل العام بما فيها من شرائع الله تعالى، و الاعتقاد بما بين الله تعالى فيها من معارف المبدأ والمعاد، من غير أن يضرب عليها بحجب التحريف و الكتمان و الترك الصريح، فلو أقاموها هذه الإقامة لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم». و «المراد بالأكل التنعم مطلقا».
ولكنهم لم يفعلوا ذلك، كما يرى هؤلاء الاسلاميون، فلم يتحقق جواب الشرط، بسبب ذنوبهم، ويسند الاسلاميون استدلالهم هذا بآية أخرى تقول:
كلا بَلْ  رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين14)
وفسروا «ما كانوا يكسبون» بالذنوب، التي تخلق الرين، اي الصدأ  على قلوبهم، او كما يقول الطباطبائي: «فكون ما كانوا يكسبون وهو الذنوب رينا على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم و بين أن يدركوا الحق على ما هو عليه.»
واذاً، وبناء على الفهم الأولي الذي يطرحه بعض الاسلاميين، فان المهمة الاولى المنتجة للسعادة  هي أسلمة الناس، وأسلمة المجتمع.
وعلى اساس هذا الفهم نشأت الحركات والاحزاب الاسلامية.
ولا مشكلة في الآية الاولى، اذا فسرناها بأنها تعني «النظام الصالح»،  او النظام العادل، ذلك ان من شأن  هذا النظام أن يحقق أمرين في الوقت نفسه وهما: وفرة الانتاج، وعدالة التوزيع،  وعليه تكون النتيجة ان يحيا الناس بسعادة ورخاء ورفاهية.
وعلى خلاف ذلك، اذا لم يتمكن الناس من اقامة النظام الصالح والعادل، فلا يمكن ان يتحقق الامران المذكوران، واعني: وفرة الانتاج 
وعدالة التوزيع.
ولا اشكال في اية الرين اذا فسرنا الرين بالظلم. فالرين الذي يسبب الصدأ في القلوب ويسلب منها القدرة على الفهم الصحيح لمعادلة وفرة الانتاج وعدالة التوزيع المحققة للسعادة هو الظلم، فالظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي هو سبب معاناة الناس وبؤسهم وتعاستهم، والظلم هو من عمل الانسان المشار اليه في الآية بعبارة «ماكانوا يكسبون».
وقد يقول البعض إن الظلم سببه عدم الفهم الصحيح لما انزله الله. وقد يمكن تقبل هذا القول بشرط الاجابة الصحيحة عن السؤال التالي: لماذا لا يفهم الناس ما انزل الله بصورة صحيحة وسليمة؟
وجوابي عن هذا السؤال هو: إن التخلف هو سبب ذلك، فلا يمكن لانسان او مجتمع متخلف ان يفهم اي شيء، بما في ذلك فهم ما انزل الله، اي الدين،  بصورة صحيحة وسليمة. لا يفهم المجتمعُ المتخلفُ  السياسةَ والاقتصاد والاجتماع والثقافة والدين والحرية  وغير ذلك بصورة  صحيحة وسليمة، واذا اردناه ان يصل الى مستوى الفهم الصحيح والتطبيق السليم ، فعلينا اولا ان نعالج مشكلة التخلف في المجتمع،  وبناء على هذا، فان الاولوية يجب ان تكون للقضاء على التخلف وليس لأسلمة المجتمع، لانه لا يمكن اسلمة مجتمع متخلف؛ واذا شاء البعض عكس هذا الترتيب للاولويات فسوف تكون النتيجة كما دلت الكثير من التجارب: اسلمة التخلف!