جهود حكومية وبرلمانية لدفع الضرر عن قوت المواطن

الثانية والثالثة 2020/03/27
...

 
بغداد / هدى العزاوي
 
 
الوضع الاقتصادي الذي افرزه انخفاض سعر النفط وتفشي وباء كورونا، دفع الجهات المعنية في الحكومة ومجلس النواب الى البحث عن بدائل لتغطية العجز في الاموال وفي الوقت نفسه ادارة الازمة الصحية في البلاد.
ورغم الاعتراض على المساس برواتب الموظفين، الا ان التحديات تفرض اتخاذ اجراءات تقشفية لعبور هذه المرحلة، وفقا لنواب ومسؤولين ومختصين في الشؤون الاقتصادية، ومنها ضغط النفقات الحكومية واعادة النظر بالامتيازات المالية لبعض الفئات، فيما يرى اخرون ان هذه الازمة المركبة والظروف السياسية للبلد، اجهزت على اية فرصة لاقرار الموازنة العامة للسنة المالية 2020.
وفي هذا الصدد، تقول عضو اللجنة المالية النيابية الدكتورة ماجدة التميمي ان الموازنة في طبيعتها تعتمد على شقين هما الايرادات النفطية والايرادات غير النفطية.
وتضيف لـ"الصباح" قائلة: ان الايرادات النفطية تشكل نحو 93 من قيمة الموازنة، كون الاقتصادي العراقي احادي الجانب، في مقابل ايرادات قليلة تأتي من الضرائب والجمارك وعقارات الدولة وغيرها من اموال الجباية، مشيرة الى ان هذه الايرادات انخفضت بشكل كبير خلال العامين الحالي والماضي، بسبب عدم استخدام التعاملات الالكترونية من اجل الابقاء على فرص الفساد.
وتؤكد التميمي ان العراق يمتلك ايرادات غير نفطية كبيرة جدا، الا ان ما يصل خزينة الدولة لا يشكل سوى 10 بالمئة فقط، والباقي يذهب لجيوب الفاسدين.
ونوهت التميمي الى ان الانخفاض الحاد في اسعار النفط والذي تزامن مع تفشي فايروس كورونا، ادى الى شلل في معظم دوائر الدولة ليس في العراق فقط وانما في دول العالم اجمع.
واضافت ان هذه التحديات دفعت الجهات التنفيذية والتشريعية للبحث عن حلول، منها اقرار توصية باستقطاع رواتب فئات معينة من الموظفين من اجل دعم جهود مكافحة فايروس كورونا، وتعزيز الخدمات الصحية التي تعاني من عجز.
واردفت التميمي بالقول: "كما ان هناك مقترحات اخرى لمعالجة الازمة المالية، من خلال الذهاب الى ابواب لا تمس رواتب الموظفين، سيتم بحثها في الاجتماع المقبل لخلية الازمة النيابية، مشددة على وجوب ضغط النفقات، وتوجيه الاموال نحو توفير الخدمات الصحية والرواتب ودعم الشرائح الفقيرة.
وأقرت التميمي بأن الدولة تواجه صعوبة في تأمين هذه المتطلبات وادارة الاموال في المرحلة المقبلة.
من جانبه، يقول مستشار رئيس الوزراء عبد الحسين الهنين : ان الانخفاض الكبير في اسعار النفط سيؤثر بشكل كبير على الموازنة، التي تأخر اقرارها بسبب الوضع السياسي للبلد.
واضاف لـ"الصباح" قائلا: "وجدنا من غير المناسب الاستمرار على هذا الحال خصوصا مع تأخر تشكيل حكومة تاخذ على عاتقها اقرار موازنة جديدة للبلاد، ما دفع الحكومة  الى تشكيل فريق مكلف من رئيس  الوزراء لاعداد موازنة بشكل مختلف عن الموازنات السابقة، تعتمد على الاداء والبرامج وايضا تاخذ بعين الاعتبار الانحدار الكبير في اسعار النفط".
وكشف الهنين عن وجود مقترح باقتطاع نسبة محدودة من مخصصات الموظفين وليس من رواتبهم الاصلية، وبشكل مؤقت، على ان تعود هذه النسب  مع تعافي اسعار النفط وبشكل تدريجي لكن الأمر لازال قيد المناقشة .
واشار الى ان الموازنة الجديدة التي يعكف على اعدادها الفريق المكلف، ستخلو من العجز او تكون هناك نسبة منخفضة لا تتجاوز سبعة ترليونات دينار، سيتم تغطيته من خلال اصدار سندات حكومية، بالتعاون مع البنك المركزي.
كما ان هناك رأياً اخر، يكمن باعتماد السندات كمورد لسد النفقات الضرورية، وهو مقترح مازال قيد النقاش والدراسة، بحسب الهنين، مشيرا الى ان ازمة كورونا القت بظلالها على اقتصاديات العالم اجمع، وربما يكون وضع العراق افضل من الدول الاخرى، بعد اتخاذ سلسلة اجراءات، كما ان الحكومة تتجه لتأجيل استيفاء العديد من دفعات الاقساط الخاصة بالقروض وهناك دراسة لتنشيط القطاع الخاص ليواجه هذا الظرف الجاري من خلال تسهيلات مصرفية  لفسح المجال امام القطاع الخاص  لتنشيط الاقتصاد .
لكن الخبير الاقتصادي الدكتور جعفر باقر علوش، يرى اهمية تعليق اقرار الموازنة في الوقت الحالي، ويقول لـ"الصباح" ان "اعادة هندسة النفقات العامة هو المنفذ الوحيد المتاح أمام السلطات النقدية في العراق للخروج من الازمة".
ويضيف علوش قائلا: "إن انخفاض أسعار النفط إلى مستويات وصلت إلى ثلث قيمتها في العام 2018 والى نصف قيمتها المحسوب على اساسها موازنة 2020 قد خلق بيئة اقتصادية متعثرة أمام تنفيذ الموازنة العامة.. ومع انخفاض مؤشرات الأسهم العالمية وانهيار الكثير من الأسواق المالية العالمية والتي تتجه صوب الركود الاقتصادي الذي قد يمتد طيلة الأشهر المتبقية من هذا العام، يقطع الطريق على العراق في الحصول على تمويل اضافي لسد العجز في الموازنة".
واشار الى ان "هناك ازمة عالمية تتمثل بانخفاض القيم للأصول الاقتصادية وإعادة تقييم اسعار السلع العالمية ومنها النفط. كما أن الركود القادم سيضع محددات حقيقية لعودة سعر النفط إلى سابق عهده".
واوضح علوش ان "الشكل العام للاقتصاد العراقي يغلب عليه الصفة التوزيعية إذ تحتل قطاعات الخدمات والتوزيع نسبة 42% من الناتج المحلي الإجمالي والنفط يحتل نسبة تقارب 56% ويبقى للقطاعات الانتاجية الجزء الأضعف".
ويضيف قائلا: "ومع هكذا أوضاع لا بد من حلول سريعة ومتاحة فعلا.من أهمها اعادة هندسة النفقات نقصد بها الإبقاء على عدم إقرار الموازنة والإنفاق على المتطلبات الأساسية فقط.. وخفض قيمة الدينار العراقي بشكل مسيطر عليه قبل أن ينخفض اجبارا من اجل تخفيف عبء الالتزامات الداخلية للدولة".
ويتفق مع هذا الرأي الخبير النفطي حمزة الجواهري، مؤكدا  ان "تجاوز ازمة انخفاض اسعار النفط يتطلب ايقاف اقرار اي موازنة والاعتماد على موازنة 2019 بتخفيض 30 بالمئة على جميع اوجه الصرف، ومنها الرواتب والامتيازات بدءا من الرئاسات والمدراء العامين، واصحاب الدرجات الخاصة، وايجاد تشريعات بخفض مبالغ الامتيازات ومنع الجمع بين راتبين، وتفعيل الايرادات غير النفطية، المتأتية من الرسوم والضرائب وصولا الى 10 مليارات دولار كحد ادنى".
ويضاف الى ذلك اعادة الاتفاق مع اقليم كردستان بما يضمن الحصول على عائدات النفط المصدر هناك، وايجاد وسائل دفع مضمونة، وكذلك ضغط الانفاق الحكومي.
كما يمكن، والحديث للجواهري، تأجيل استيفاء مستحقات الشركات النفطية العاملة في العراق، لتوفير الحد الكافي من الاموال وادارتها بشكل صحيح خلال المدة المتبقية من هذا
 العام.