العراق بعد كورونا

الثانية والثالثة 2020/03/31
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 
أخشى أنْ يكون المجتمع العراقي مصاباً بمتلازمة الفشل في استثمار الانتصار.
ففي كل مرة يحقق فيها المجتمع العراقي انتصاراً على تحدٍ معين، نراه يفشل في جعل مرحلة ما بعد الانتصار أفضل من المرحلة التي سبقته. وعندي ثلاثة أمثلة على ذلك على الأقل.
المثال الأول، الانتصار الذي حققه المجتمع العراقي على القاعدة التي استطاعت أنْ تشعلَ فتيل حرب أهليَّة.
المثال الثاني، إنهاء الاقتتال الداخلي الذي سمي بالفتنة الطائفيَّة أو الحرب الأهليَّة.
المثال الثالث، القضاء على داعش التي أعلنت دولة الخرافة على مساحات شاسعة في العراق وسوريا.
وفي كل مرة كتب الكثيرون، كما فعلتُ أنا، عن ضرورة استثمار هذه الانتصارات العسكريَّة سياسياً، إذ إنَّ المعروف أنه لا قيمة للانتصار العسكري ما لم يتجسد على الأرض على شكل إنجاز سياسي. وفي كل مرة كان المؤمل أنْ يفتح الانتصار العسكري الباب أمام إعادة بناء وهيكلة النظام السياسي بإصلاح عيوب التأسيس التي تعرض لها، ومن أهمها المحاصصة والفساد الذي نتج عنها. وفي كل مرة كان أصحاب القرار السياسي والتشريعي والتنفيذي أعجز من أنْ يخطوا خطوة واحدة الى الأمام. بل إنَّ العكس هو الذي حصل ويحصل. وهذا ما حصل على أسوأ حال بعد الانتصارات الثلاثة على التوالي وآخرها الانتصار على داعش وخاصة بعد انتخابات عام ٢٠١٨ التي سوف يصدر التاريخ حكمه عليها بأنها أسوأ انتخابات شهدها العراق منذ العام ٢٠٠٣. فقد تدهورت الحياة السياسيَّة، وأصبح انتهاك الدستور هو القاعدة وليس الالتزام به وتكرست ظاهرة لا أجد لها مثيلاً في الدول الديمقراطيَّة وهي تطلع كل من تولى منصب رئيس الوزراء الى الزعامة السياسيَّة الشخصيَّة حتى بعد خروجه من المنصب. الحالة العامة تسوء تدريجياً لكنَّ التدهور مستمر. على سبيل المثال: كان النظام السياسي عندنا يوثق في البداية بأنه ديمقراطي، ثم أصبح نظاماً هجيناً، واليوم هو نظام أوليجارشي، أي حكم القلة. والاوليجارشية تعني تحكم عددٍ قليل من الأفراد بطريقة غير ديمقراطيَّة ولا عادلة.
مناسبة هذا الحديث المؤلم، هو غزو فيروس (covid-19) العالم ومن ضمنه العراق. أصيب حتى لحظة كتابة هذا العمود ٦٦٤٦٢١ شخصاً، مات منهم ٣٠٨٩١ شخصاً. والأرقام تتزايد على مر الساعة. صحيح أنَّ حصة العراق من الإصابات والوفيات ما زالت قليلة نسبياً، مقارنة بالولايات المتحدة والصين وإيطاليا واسبانيا وفرنسا وإيران، لكنَّ العراق جزءٌ من المجتمع الدولي. من هنا بدأ التفكير عالمياً بمرحلة ما بعد كورونا، وها انذا أثير التفكير بالمسألة عراقياً.
والسؤال هو: ماذا بعد كورونا؟
وهذا هو سؤال المستقبل. والقصد من طرحه الآن هو التنبيه الى أنَّ الانشداد الى الماضي، أو الاستغراق في الحاضر، لا يغنيان عن التطلع الى المستقبل. ففي نهاية المطاف، المستقبل هو الذي يهم.
لا أريد أنْ نكررَ ما فعلناه في المرات السابقة. نحن بحاجة الى رسم خطوات للمستقبل تعوض الزمن والجهد اللذين ضاعا بسبب هذه الأزمات المتلاحقة، وحالا دون انطلاق المشروع الشامل لإعادة بناء وإعمار العراق.
لن تستمر أزمة كورونا الى الأبد، وسوف يتعافى العالم والعراق بعد حين، وتصبح من قصص الماضي، ويبقى الأهم من ذلك هو السؤال: ماذا بعد كورونا؟
أثبتت الأحداث والتطورات التي تعرض لها بلدنا منذ العام ١٩٥٨ الى اليوم أننا نعاني من تخلفٍ عميقٍ يعيق طموحات الإعمار والتنمية وتحقيق العدالة والتقدم وبناء المجتمع الصالح والدولة الحضاريَّة الحديثة. وأثبتت الأحداث أنَّ الجهل، والعادات والتقاليد العشائريَّة البالية، والتشدد، وترييف المدن، والعصبيات المغلقة، وتدني نسبة النمو، والاحتراب الداخلي، وعدم القدرة على إدارة الحياة السياسيَّة بصورة سليمة، والفشل في إقامة الحكم الرشيد، والعجز عن بناء النظام الديمقراطي... وغير ذلك، كلها إفرازات للتخلف الشامل الضارب جذوره في أعماق المركب الحضاري للمجتمع العراقي، وأنه لا مناص من القضاء على التخلف من أجل دوران عجلة البناء والإعمار والتقدم.
واليوم ونحن نفكر، كما ينبغي لرجال الدولة أنْ يفعلوا، بما بعد كورونا، فإنَّ الخبرة التاريخيَّة تقودنا الى القول إنَّ مرحلة ما بعد كورونا يجب أنْ تشهد فتح المعركة الشاملة من أجل القضاء على التخلف وإرساء أسس وركائز الدولة الحضاريَّة الحديثة.