{كورونا} والسياسة

الثانية والثالثة 2020/04/02
...

رئيس التحرير

في ظلّ الأزمات الكبرى نحتاجُ الى السياسة الرشيدة، والى قدرة هذه السياسة على ممارسة مسؤولياتها في تنظيم حياة الناس، وفي حماية أمنهم الاجتماعي والغذائي والصحي، وبالشكل الذي يُخفف عنهم غلواء المعاناة، ومعالجة المشكلات التي يواجهونها.
علاقة السياسة بالواقع تتطلبُ مراجعة دائمة، ليس لأنَّ السياسة تتطلب نوعاً من السيطرة والتنظيم، بل لأنّ الواقع الذي يعيشه الناس يفترض وجود سياسة واقعيَّة وفاعلة لإدارة المؤسسات والبرامج والقوانين التي تُنظّمه، وتُيسرُ الخدمات العامة، بما فيها الخدمات الصحيَّة والمعيشيَّة..
يوميات "كورونا" فرضت نفسها على الواقع العراقي، مثلما فرضت نفسها على العالم، وإنَّ مواجهة هذه اليوميات الصعبة تحتاجُ الى السياسة مثلما هي حاجتها للاقتصاد والأمن، فالسياسة هنا تمثّل المنظومة الحاكمة للإجراءات والفاعليات، والجهة الإطاريَّة المسؤولة على حفظ الاجتماع الوطني، وعلى تطبيق القوانين النافذة، وباتجاه منع تعرّضهم للمكاره الصحيَّة والاجتماعيَّة.
الحديث عن السياسة يعني الحديث عن المؤسسات التي تُشرّع الإجراءات اللازمة، والتي تعملُ على تنفيذها لمواجهة الجائحة، عبر اتخاذها جملة من القرارات الشجاعة، والسياسات الواقعيَّة، من خلال معرفة حاجة الناس، والعمل على ما يُعزز جهود دعمهم وإسنادهم وحمايتهم، وأحسب أنَّ قرار حظر التجوال الذي اتخذته خلية الأزمة الحكوميَّة ليس بعيداً عن السياسة الرشيدة، لأنه قرارٌ ذو أبعادٍ وطنيَّة، أهدافه وقائيَّة وحمائيَّة، لغرض تأمين أمنهم الصحي والغذائي والاجتماعي، فضلاً عن كونه وسيلة من الوسائل الاحترازيَّة للسيطرة على الوباء، وقطع سلسلة انتشار عدواه بين الناس.
إنّ خطر فيروس كورونا هو الخطر الداهم الذي يهددُ العالم أجمع، وإنَّ تطبيق الإجراءات القانونيَّة الحمائيَّة يمثلُ الأساس العملياتي لسياسات الطوارئ الوطنيَّة، عبر رسم خطط الوقاية الصحيَّة، وإعداد البرامج العلاجيَّة، من مستشفيات ومراكز للفصح، ومن ملاكات طبيَّة، ومن تجهيزات تتطلب ميزانيات وقراراً سياسياً استثنائياً، وهذا ما يجعل الرهان كبيراً على قوة سياسة الدولة، وعلى مدى نجاح المؤسسات التشريعيَّة والتنفيذيَّة في تنفيذ خططها وبرامجها، ودعم ستراتيجيات حماية الدولة والمجتمع. أهمية المسؤوليَّة السياسيَّة تعني أيضاً أهميتها في تهيئة البيئة المناسبة للعمل، عبر القوانين والقرارات والمواقف، وعبر تأمين وسائل إنجاح عمل المؤسسات الرسميَّة، وعمل الجهات الساندة، من منظمات مجتمع مدني، ومؤسسات إعلاميَّة، ومؤسسات تكافليَّة، لأنّ نجاح الإدارة السياسيَّة في عملها، وفي خططها يتطلبُ وجود مثل هذا الدعم، وبما يجعل المساحة التي تتحرك فيها هذه الجهات واسعة، وقابلة للتفاعل والتواصل مع شرائح متعددة، لأنَّ جوهر المسؤوليَّة الوطنيَّة يكمنُ في وعي المشاركة، وفي ضمان نجاح تلك القرارات التي غايتها الأساس حماية الناس، ومنع تعرّضهم لأخطار عدوى الوباء، وبما يجعل مفهوم السياسة الرشيدة أكثر تداولاً، وأكثر تعبيراً عن الوعي الرشيد والمشاركة الرشيدة...