عبدالحميد آل كلوت
تكونت المجموعة الشعرية "مرايا البحر" لهويدا مصطفى من 109 صفحات، حملت بين طياتها 22 قصيدة نثرية و8 عمودية، كُتبَت أغلبها على البحر الكامل وواحدة على البحر البسيط، واثنان على البحر الوافر، عناوينها لافتة وذات دلالة، "رحلة العمر، عبور في الذاكرة، نداء الحق، هي الدنيا، على سرير الوقت، مطر، من وحي الصمت، اجيبوا مَن أنا، دمشق..
الخ".
"مرايا البحر" القشرة التي غلفت بها الشاعرة مجموعتها، وهي رقيقة وشفافة وذات معنى دلالي عميق، فالمرآة لها القدرة على انعكاس الضوء، ومابين المرآة والماء ارتباط وثيق، فكلاهما يُظهِر لنا الصورة، منذُ القِدم أُستخدمَ الماء كمرآة من خلال المياة الراكدة في الأواني أو مابين تموجات الأرض، للمرآة رمزية كشف الأفكار، المرآة هي علامة للشعر خارج المألوف وهي رمز انزياحي شعري، "لقد بنى (سبينورا) نظريته حول وحدة الوجود العقلية على رمزية المرآة"، المرآة
هي تجسيد رمزي للروح، من أوائل الذين استخدموا المرآة في الشعر هو الشاعر (بيدل) وقد ادخَلَها بمعانٍ عدة وصور، فجاءت المرآة متنوعة الدلالات، وهويدا تمكنت بهذه العتبة النصية من ربط دلالات المرآة ودلالات البحر بكل ما يحمله البحر من دلالات معنوية وشاعرية وغموض ودلالات قلق واضطراب
وخوف.
ودلالات المرآة والبحر المتمثلة بالعنوان أرى أنها جاءت مُتطابقة إلى حدٍ كبير مع دلالات النصوص
المختلفة.
"التماسك هو الترابط العضوي بين عناصر النص، بحيث يبدو الموضوع من صورته النهائية نظاماً مُتكاملاً، وبناءً مُتعاضداً، حيث ترتبط الأسباب بالمسببات، والنتائج
بالمقدمات".
إن التماسك النصي بين أجزاء النص الواحد يُنشئ أواصر ترابطية بين كل مكونات النص حتى يصبح النص كسجادة حِيكَت ببراعة، وبهذا التماسك استطاعت الشاعرة تحقيق القصد والغاية من نصوصها رابطةً بين تسلسل أفكارها ونحو الجملة ونحو النص، وأضفَت جمالية شعرية على النصوص من خلال بنائها القواعدي الذي احتوى على رابط أو أكثر يربط الجملة بما يسبقها أو بما
يأتي بعدها ولهذا امتازت النصوص باستقرار الخطاب
الشعري.
فقصيدة "أنا الحياة" ابتدأتها بالضمير "أنا" الذي كررته أربع مرات في هذا المقطع، أضافَ هذا التكرار تماسك الجُمل رافقهُ إيقاع زاد القصيدة جمالاً. عندما يبدأ الشاعر بصياغة ألفاظ قصيدته، فإن عقله يتحرك على الفور ليتدخل بهذه الصياغة مُوازِناً بين التعبير ودقة المعنى، مُضافاً إليها العاطفة التي تؤثر تأثيراً مباشراً بصياغة هذه الألفاظ، وشاعرتنا من خلال فحوى نصوص مجموعتها مزجت بين العقل والعاطفة في اختيار ألفاظها وأسهمَ مُتخيلها الذهني في رسم أُطر صورها الشعرية التي شكَّلت صوراً بلاغية رائعة استطاعت تقريب نصوصها للمتلقي، وهذا الحس الفني وجدته ملموساً في المرآة والبحر. كما في قصيدة "اعترافات
عابرة".
وعندما تكون مفردات النص الشعري خفيفة على اللسان وعذِبة في الاستماع فهذا يعني أن النص فيه تلاؤم جعلهُ متلاحم الأجزاء، فالشاعرة بانتقائها للمفردات الخفيفة تمكنت من تشكيل جُمل شعرية لها قبول في العقل وارتياح في النفس، كما في
"حلم".
إن قصائد الشعر العمودي التي ضمتها المجموعة الشعرية كُتِبت أغلبها على البحر الكامل، هذا البحر الأكثر استعمالاً قديماً وحديثاً ليس لشيء إلا لأنه كامل، ففي قصيدتها "رحلة العمر" والتي كتبتها على البحر الكامل دفعتها فطنتها الشعرية لاختيار حرف "الراء" كحرف روي وهو حرف شمسي يمتاز بالقوة والتكرار والتفخيم، صوته جهوري مكرر، فانسجمت صفات الحرف مع دلالات
القصيدة.
إن تماسك نصوص المجموعة وروابطها اللغوية أضافت للنصوص جمالية شعرية وأفقاً واسعاً، فسح المجال أمام المتلقي النموذجي أن يحكم على النصوص
بالجودة.