الانفتاح والتأصيل

آراء 2024/09/03
...













  جواد علي كسار


أبرز ما يتحلى به الأستاذ المحاضر في علم السياسة بالجامعة اللبنانية وجامعة بيروت الأمريكية، الراحل د. حسن صعب (1922 ـ 1990م) هو القدرة المشهودة على دمج إنتاج المسلمين وثمار عقولهم في السياسة، بمفاهيم وأفكار ومبادئ ونظريات السياسة المعاصرة، علماً وفناً وتطبيقاً ونظريات.

ولأنه لا يعيش عقدة الخجل من تراثه وانتمائه وهويته، ولا ينساق وراء أوهام أن السياسة هي إنتاج غربيّ محض، نراه يعطينا في رسم لوحة علم السياسة، مشهداً ننظر على منصته الفارابي (ت: 339ه) وإلى جانبه ابن خلدون (ت: 808هـ) وقبله مجموعة مفكري إخوان الصفا ورسائلهم (كُتبت في القرن الرابع الهجري) إلى جوار توما الاكويني (1225 ـ 1274م) وميكافللي (1469 ـ 1527م) وجان بودان (1530 ـ 1596م)، بلوغاً إلى منتسيكيو (1689 ـ 1755م) ودي توكفيل وكارل ماركس (1818 ـ 1883م) وأضرابهم، ما ينتهي بك الأمر إلى أن تقرأ السياسة مع حسن صعب بنكهةٍ مُشبّعة بتراث المسلمين ومدوّناتهم، ونزعة تحرص على الأصالة إلى جوار

 الحداثة.

من مزايا كتابات حسن صعب في السياسة والعلاقات الدولية، أنها تجعلك في قلب الواقع المعيش، لكن وأنت مزوّد بأطرٍ نظرية صلبة، كلّ ذلك انطلاقاً من فهم مرنٍ للأكاديمية، يحرّرها من الجمود والتكلّس الذي يقترب أحياناً من حدّ البلادة أو يقود إلى البلادة، حين تُمعن بالتجرّد فتحلّق كالروح المجرّد، وتكتفي بشُحنٍ غليظة من الأسماء والمصطلحات، وبكتلٍ هلامية من العشوائيات اللفظية والتخطيطات 

الشكلية!.

هذه الخصلة في كتاب صعب تفعل ذلك من دون الانغماس في الواقع المعيش إلى حدّ الانجراف بتياراته، والانسحاق الشديد تحت وطأة متغيّراته اليومية، وانعدام الوزن تحت طائل أمواجه المتلاطمة، ما يؤدّي إلى الغرق والطيش والعبثية والاعتباط، بغياب الأُطر النظرية، وتضاؤل محدّدات العقل والمنهج، ومن ثمّ انعدام البصيرة وغيبوبة الوعي.

نجد هذه الخصائص واضحة في الكثير من مؤلفاته، مثل «المفهوم الحديث لرجل الدولة»، و«تحديث العقل العربي» و«مقدّمة لدراسة علم السياسة» وموسوعة «علم السياسة». كما تتجلى أيضاً في كتابه التطبيقيّ عن الدبلوماسية، أقصدُ به: الدبلوماسيّ العربيّ: ممثل دولة أم حامل 

رسالة؟