معادلة «الغموض الاستراتيجي» في الرد الإيراني

آراء 2024/09/03
...

  محمد صالح صدقيان

ما كانت عملية وقف اطلاق النار في غزة ووقف قتل المدنيين والنساء الأطفال خطوة استراتيجية لطهران، جاهدت من أجلها منذ السابع من اكتوبر، فإنها وجدت نفسها في محدد جديد لإفساح المجال امام الجهود الرامية لوقف اطلاق النار، بوساطة قطرية مصرية خصوصا وان وزيري خارجية قطر ومصر حرصا على وضع طهران في إطار المباحثات، التي جرت سواء في الدوحة أو القاهرة.

تأخرت إيران كثيرا للرد على الكيان الإسرائيلي على خلفية انتهاك سيادتها واغتيال ضيفها، الذي شارك بمراسم اداء الرئيس الايراني مسعود بزشكيان القسم القانونية. 

بعد عملية الأربعين التي نفذها حزب الله انتقاما لدماء قائده الميداني فواد شكر، تفاعلت التكهنات بوصول الدور لطهران بتنفيذ انتقامها لاغتيال اسماعيل هنية.

بعد الــ 31 يوليو تموز الفائت، وجدت طهران نفسها محشورة بعدة اعتبارات سياسية وأمنية وجيواستراتيجية. فقرار الرد الايراني قد تمَّ اتخاذه بعد ساعات من عملية اغتيال اسماعيل هنية؛ وأن الرد يجب أن يكون «عقابا» وليس «تأديبا»، كما عبرت عنه القيادة الايرانية؛ أو كما حدث في 13- 14 نيسان الماضي، عندما نفذت ايران عملية «الوعد الصادق» على خلفية مهاجمة السفارة الايرانية بدمشق. 

هذا القرار وجد نفسه أمام قراءة إيرانية لمجمل التطورات في المنطقة، وتحديدا ما يجري في قطاع غزة، والتي تراقب بجد واهتمام بالغين الاحداث منذ السابع من 

اكتوبر. 

فرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو متورط في وحل غزة وفشل بتحقيق أهدافه الاستراتيجية، التي دخل من أجلها غزة. 

فلا هو استطاع القضاء على حركة حماس؛ ولا هو قضی على فصائل المقاومة، اضافة إلى فشله بتحقيق هدفه الاستراتيجي الأساس، الذي من أجله دخل فيه القطاع وهو تحرير الرهائن الإسرائيليين الموجودين لدی حركة 

حماس. 

في اطار هذه التطورات كان نتنياهو يفكر بآلية للخروج من المستنقع، وليضرب اكثر من عصفور بحجر واحد. وهو «استدراج» ايران لحرب مباشرة مع الكيان وهو يعلم جيدا بناءً على معطيات الميدان، الذي يعلب به أن الولايات المتحدة لن تكون بعيدة عن اي حرب أو هجوم يتعرض له الكيان، وبذلك يستطيع ايضا «استدراج» القوات الامريكية للدخول بمواجهة مع ايران ومع حلفائها في «محور المقاومة» خصوصا وأن مؤشرات الميدان تحدثت عن رغبة ايران بهجوم «مزدوج» أو «مركب» كما قالت المصادر الايرانية دون ان تدخل بالتفاصيل؛ لكن الذي فٌهم ان فصائل المحور ستكون منخرطة في الرد والانتقام من الكيان كل حسب معطياته وحاجاته. فإيران تريد الانتقام لسيادتها؛ وحزب الله يحسب حساباته للرد على خلفية اغتيال القائد الميداني فواد شكر؛ فيما تتوعدت حركة انصار الله اليمنية الكيان بالرد على هجوم الحديدة. 

الرسائل الأمريكية التي وصلت طهران، بعد اغتيال هنية كانت متعددة عبر وسائط وقنوات سالكة مع واشنطن. 

العامل المشترك في كل هذه الرسائل كانت دعوة طهران لضبط النفس ودعوة اصدقائها ايضا في مقابل سعيها لوقف اطلاق النار وانهاء حكومة 

نتنياهو. 

الرد الايراني كان واضحا هذه المرة وهو ان ايران لا يمكن لها ان تمرر عملية الاغتيال التي وقعت وسط العاصمة طهران؛ ربما تتريث بذلك لكن لا يمكن لها ان تسكت متشبثة بالوعود الامريكية، التي وعدت بها طهران بعد السابع من اكتوبر، والتي كانت تدعو لعدم توسيع رقعة الحرب، لكنها فشلت بصد نتنياهو أو ربما اعانته في كثير الاحيان على عدوانيته ضد سكان 

غزة. 

بعد 31 يوليو تموز جددت واشنطن رغبتها بعمل سياسي دبلوماسي جاد، لوقف إطلاق النار في غزة وابلغت ذلك طهران عبر 

وسيط. 

ولما كانت عملية وقف اطلاق النار في غزة ووقف قتل المدنيين والنساء الأطفال خطوة استراتيجية لطهران، جاهدت من أجلها منذ السابع من اكتوبر، فإنها وجدت نفسها في محدد جديد لإفساح المجال امام الجهود الرامية لوقف اطلاق النار، بوساطة قطرية مصرية خصوصا وان وزيري خارجية قطر ومصر حرصا على وضع طهران في إطار المباحثات، التي جرت سواء في الدوحة أو القاهرة.

اضافة إلى كل هذه التطورات؛ كانت طهران امام استحقاق داخلي، وهو انتقال السلطة للرئيس الايراني الجديد. فايران في 31 يوليو تموز لم تكن تملك حكومة ولارئيس؛ وبالتالي كانت مقبلة على تداعيات تشكيل الحكومة الجديدة. ففي نهاية المطاف يجب أن تسهم الحكومة الجديدة بصنع القرار، لتكون في اطار اية تداعيات محتملة بعد الرد الايراني؛ على الرغم من جاهزية الجهات العسكرية لتنفذ الرد، الذي قالت عنه بأنه تم وضعه على الطاولة بعد تحديد الاهداف والحجم والمستوی، إضافة إلى تخطيط الهجوم والاليات المستخدمة.

وفي ظل هذه التطورات وجدت طهران نفسها محشورة في زاوية صعبة وحرجة في آن واحد، وفق معادلة متعددة المجاهيل . فهي تريد الرد لكنها لا تريد توسيع نطاق الحرب. 

وهي تريد الرد لكنها لا تريد أن يكون ردها يصب بمصلحة نتنياهو. وهي تريد الرد لكنها لا تريد انقاذ الكيان ونتنياهو من مستنقع 

غزة. 

إضافة إلى أنها تريد وقف إطلاق النار في غزة بأي ثمن كان، من أجل إنقاذ المدنيين والأطفال والنساء من القتل والإرهاب المنظم، الذي قاده الجيش الإسرائيلي طوال الأشهر

 الماضية. 

وبعد هذه القراءة ما زالت طهران تتحدث بفم ملآن عن حتمية الرد، دون أن تتحدث عن التوقيت، الذي رأت بأنه سيكون حاسما وقويا ورادعا، دون تمكن الكيان من الرد المضاد. 

طهران حاليا تتحدث عن «غموض استراتيجي،» ربما تحدثنا عنه بالتفصيل، لكن حالة الهلع والهلوسة، التي يتعرض لها الكيان راهنا ربما كانت أقوی من أي رد إيراني ميداني يستفيد منه 

الكيان.