الحروب بعد الطوفان

آراء 2024/09/04
...


طالب سعدون

الطوفان تجربة مرة ( لإسرائيل ) وحلفائها، وفي المقدمة أمريكا وحلوة لفلسطين و( غزتها ) البطلة وصحوة للعالم، بعد غفوة طويلة وانتقالة كبرى في قواعد الحرب، وموازين القوى بين الأطراف المتحاربة بغض النظر عن قوتها.
لم يحصل لكيان (اسرائيل) الغاصب أن تعرض، إلى هذا الهوان والخسارة والخذلان، ويظهر على صورته الحقيقية امام العالم بعد أن غطاها بهالة من التضليل وادعاء التفوق يظهر في أبشع صورة عرفها التاريخ منذ هيروشيما ونازاغاكي في الحرب العالمية الثانية.ولم يدون التاريخ على مر عصوره أن دولا عظمى وكبرى، تنازل طرف أو فصيل واحد وتمارس من القوة المفرطة غير المبصرة ما يشكل جريمة من جرائم الابادة الجماعية، عدا ما حصل في غزة، ومع ذلك تخرج هذه الدول بحصيلة سيئة، على كل المستويات على العكس من الطرف المقابل المقاوم، الذي كسب من السمعة الدولية والشهرة العالمية والتعاطف الشعبي ما لم يدر في خلد أعدائه.. وها هو اسمه يتردد يوميا على المنابر الدولية، وتتوسط دول اقليمية ودولية وتدعوه إلى الحوار، ليكون طرفا فاعلا ومؤثرا وله رأيه في ايقاف الحرب ويطرح شروطه، وهذا ما لم يحصل في تاريخ المقاومة والحروب
 السابقة. غزة وأخواتها المقاومات غيرت قواعد الحروب التقليدية، وأجبرت الدول العظمى على أن تظهر كل ما في جعبتها العسكرية، وتحرك اساطيلها إلى المنطقة، ومع ذلك لم تحقق شيئا يغير المعادلة أوينهي الحرب لصالح اسرائيل التي ادخلها نيتنياهو هي وامريكا في ورطة لم تجد مخرجا منها مهما توسعت أو طالت، لكنه وإن نجح في تحييد دول عربية، من خلال التطبيع لكنه فتح على كيانه النار من جبهات عدة، يتعسر عليه أن يواجهها مهما قدم له الحلفاء وأمريكا بالذات من مساعدات.
إن المسيرات والصواريخ غيرت قواعد الحرب وجعلت ( اسرائيل)، بكل مساحتها التي اغتصبتها تحت سيطرتها، وفي متناولها ووضعت الاساطيل والقواعد الأمريكية في مرماها، وفقدت فرصة التهديد بالقوة.ويبدو جليا أن أمريكا قد فشلت في تقديم مساعدة لإسرائيل في مواجهة هذا التطور النوعي في الحرب لصالح المقاومة.. لأنها لم تكن مستعدة لحرب جديدة تسمى ( حروب الذكاء الصناعي ) في الطائرات المسيرة لما لها من قدرة على تحديد اهدافها بدقة وضربها كما حصل في غزة وأوكرانيا مثلا.اثنان من المتخصصين في العسكرية وتكنولوجيا المعلومات، وهما مارك ميللي رئيس هيئة الأركان المشتركة ( من 2019 إلى 2023 ) وإريك شميت الرئيس السابق لشركة جوجل رصدا في دراسة نشرتها مجلة فورين أفيرز هذا التغيير الذي سيجعل امريكا في المستقبل سواء في طائراتها أو سفنها غير مستعدة للقتال تحت هجوم الطائرات المسيرة بدون طيار.. وإذا أرادت أمريكا أن تستمر كقوة دولية، فعليها أن تطور استخدامها للذكاء الصناعي والروبوت في الحروب، ولا يمكن لها بهذه السرعة أن تحقق ما تريد. المراقب والمحلل والمفكر الاستراتيجي، وحتى الانسان العادي يخرج باستنتاج أنه مع تطور الردع، الذي وفره الذكاء الاصطناعي في الطائرات المسيرة والصواريخ والوسائل الأخرى بما فيها السيبرانية، لأطراف عدة في المنطقة لم تعد الأساطيل، التي ترسلها أمريكا بذلك القدر الكبير، الذي كانت عليه سابقا في مجال الردع، وربما تتحول إلى عبء عليها، ما دامت لم تدخل في هذا العالم الواسع إلى الآن، مع الأخذ في الاعتبار عامل الزمن للمقاومة ايضا في تطوير قدراتها في هذا المجال والمجالات الأخرى.