صراع الغابة والثقافة

آراء 2024/09/10
...

طالب سعدون

انتصر العلم للأشجار والطبيعة والمناخ والبيئة وصحة الإنسان وضمان حياة خالية من التلوث، بعد أن وجد الأشجار تقطع وتموت، لكي يصنع منها الورق للصحافة والكتب والطباعة بأنواعها، بما فيها علب السكائر مع مضارها الكثيرة دون توازن يضمن الحقوق لكل الأطراف..
كادت الغابات أن تنتهي لأن استهلاك الورق أكثر من الزراعة إلى أن ابتكر الإنسان طريقة إعادة تصنيع الورق المستعمل علَّه يحقق التوازن بين الإنتاج، والاستهلاك الورقي ويحقق في الوقت نفسه وسيلة للكسب لأناس عاشوا عليها مدة طويلة بما فيهم أطفال كانوا يجوبون الشوارع والمحلات للبحث عن الورق المستعمل وشرائه بسعر زهيد، ليحققوا ربحا لا بأس به يناسب ظروف المعيشة يومذاك وأعمارهم.هذا الابتكار جعل الصحف القديمة والكتب بعد قراءتها، تكون سلعة تجارية وصناعية تقرأ مرة أخرى، وتحقق ربحا للمطابع وتشجع الصناعة الوطنية وتسهم في الاقتصاد والعمل، وتوفر عملة صعبة للدول التي تستوردها من الخارج بدلا من أن ترمى أو تترك على مقاعد القطارات والطائرات والسيارات، أو تكون مائدة أي (سفرة للطعام)، وبعدها ترمى في سلة المهملات.وفي العصر الرقمي الذي نعيشه الآن حققت الأشجار والغابات، عموما انتصارا كبيرا انعكس أثره في كل مرافق الحياة، بما فيها المحل الصغير، الذي اصبح يستخدم الفاتورة الالكترونية في تعاملاته التجارية مع الزبائن وهذه لوحدها حققت فوائد اقتصادية وبيئية كبيرة وحافظت على حياة الأشجار، فقد أشارت إحصائية أن الفواتير الالكترونية لوحدها توفر ملايين الأطنان من الورق سنويا عالميا، فشركة واحدة يمكن أن توفر عشر أشجار سنويا، لكل عشرة آلاف فاتورة، تتحول إلى الصيغة الالكترونية لأن استخدام المكاتب للورق يمثل حوالي عشرين بالمئة من اجمالي استهلاك الورق في العالم..وأشار تقرير أممي إلى أن الحفاظ على طن واحد من الورق، يمكن أن يوفر حوالي 17 شجرة وأربعة آلاف كيلو وات ساعة من الكهرباء وأكثر من 26 الف لتر من الماء.. لقد وفرت الصحافة الالكترونية الملايين من الأطنان من الورق سنويا وقللت التكاليف المالية إلى أرقام بسيطة جدا قياسا بالصحافة الورقية، التي أصبحت هي الأخرى تصدر بطبعتين ورقية والكترونية ووفرت لها فرصة السرعة في نقل الحدث واختراق الحدود والقارات دون رسوم أو تكاليف إضافة إلى تحقيق التواصل بين الكاتب والقارئ من خلال الانترنت، وبذلك تكون للمواطن حصته في الصحيفة وحققت التكامل بين الصحافتين الورقية والالكترونية بصيغة تنافسية نحو الافضل في الخدمة الصحفية وليس صراعا فاحداهما تكمل الاخرى.. وفرضت على الصحفي أن يواكب حركة العالم التقنية في مجال عمله الصحفي مع ملاحظة مهمة، وهي إنها أتاحت لكل مواطن أو صحفي النشر والكتابة لكنها فرضت عليه ان يكون بمستوى يتيح للقارئ متابعته، لأنه أصبح أمام القارئ كم ٌهائل من الكتابات وعليه أن يختار الجيد منها، وما عدا ذلك تصبح كتابته ليست أكثر من إملاء حيز فقط في الصحيفة دون قراءة أو متابعة.. أي ان القارئ لا يتابع كل الكتابات بل الجديد والمهم منها.. وربما يتابع كاتب بعينه وينتظر الصحيفة، ليرى الجديد من إبداعاته.وأخيرا فإن التحول إلى الوسائل الالكترونية، بدلا من الورقية فرصة ذهبية في تقليل استخدام الورق إلى ادنى حد ممكن، وبالتالي حماية الأشجار والغابات وإتاحة المجال للتنوع البيولوجي وتقليل انبعاث ثاني أوكسيد الكربون جراء صناعة الورق.. وبذلك انتصرت الثقافة وعاشت الغابة..