علي لفتة سعيد
يتغزل الكثير من الشعراء بالأرصفة، وعدها مناطق للوصول إلى الجمال أو المواعيد أو الانتظارات، مثلما يعدها كتاب السرد مناطق للتأمّل أو الخسارات والذكريات. لأنها تعني الكثير من خرائط المدن التي تزدحم بالناس والبيئة والجمال من عدمه، وهي التي يخضرّ بين مربعات (مقرنصها)
الأشجار وأورادٌ ملوّنةٌ، وتتفنّن بعض بلديات المدن في تشجير الأرصفة، وجعلها أكثر جمالية، بل تتفنّن بطريقة من يبهر المواطن ابن البلد والسائح على حدّ سواء، حين تقوم هذه البلديات ليس بزراعة الأشجار، بل بتصميم سنادين خاصة للأرصفة، توضع على شكل نصبٍ فنية وأشكالٍ هندسية ويقوم فنانون بتقليم الأشجار سواء في الجزرات الوسطية أو حافات الرصفة، أو جعلها دائمة الخضرة.
لكن في مدننا لا تكون للأرصفة ثقافة المشهد، ولا يكون لدينا اهتمام بها، سواء من قبل المواطن أو حتى من قبل دوائر الدولة المعنية، بل نرى أن المؤسسات الحكومية هي أوّل من يتجاوز عليها وعلى تصميمها، الذي قيل إن لها حرمة لا يجب أن يتجاوزها أحد، لأن التجاوز يعد مخالفةً وتصل إلى الجريمة، حين يتعرّض المواطن إلى الأذى. فالدوائر تستقطع الرصيف لإقامة الحواجز الأمنية، والأجهزة الأمنية تحتجز الأرصفة لوقوف مركباتها ومتابعة عملها، والمؤسّسات الحكومية تقوم حتى بعمل مطبّات على الأرصفة بحجّة منع مرور العجلات أو وقوفها، وهي تقوم بمنع مرور أو عبور عربات أصحاب الهمم. أما المواطن فتلك مصيبة. فبإمكان أي صاحب محلّ ليس قطع الأرصفة بالبضائع المختلفة، بل أصبح ينزل إلى الشارع لحجز المكان بحجّة عدم السماح لوقوف المربكات، وايضا استغلال الأرصفة لعرض البضاعة، مما يعنّي أن المسير على الأرصفة سيكون صعبًا جدا ومحفوفًا بالمخاطر المختلفة، للمواطنين وخاصة النساء، اللواتي يضطرن بالنزول إلى الشارع مع الأطفال، ومن ثم حصول حالات دعس مع المركبات المستخدمة للشارع، بل الأدهى من ذلك أن أصحاب المركبات حين يرومون التوقّف لشراء حاجياتهم من المحال، فإنهم لا يوقفون مركباتهم إلّا أمام المحال المقصودة، حتى لو كانت هناك مركبة أخرى وما نسميه (سايد ثاني وثالث). ولذا فإن البعض يقدّر الحوادث، التي يسببّها حركة السابلة في الشوارع إلى أكثر من 20 بالمئة من حوادث السير في شوارع المدن الداخلية.
إن هذا الأمر بات يشكّل خطرًا مثلما يشكّل فوضى على المشهد العام للمدن الكبيرة، مثل بغداد والموصل وكربلاء والنجف والبصرة وغيرها من مراكز المحافظات، التي تشهد إقبالًا للسياح، ويكون المشهد أمامهم أن لا أرصفة لتحركهم وانتقالهم وتبضّعهم، وهم يرون كلّ شيء مستغل، وأن البضاعة تعرض في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس. حتى بعض محال القصابة والمطاعم وأصحاب محال بيع (المرطبات)، الذين يضعون كراسي الزبائن على الأرصفة.