مَنْ أطلق الرصاص على رؤوس الأغاني؟

ثقافة 2024/10/01
...

 ولاء الصواف


الإهداء: إلى طفلٍ فقد للتو لعبته وتفرق دمه بين القبائل


يُرفعُ بينَنا الآنَ آذانُ المَغربِ 

بتوقيتِ غزّةَ وضَواحيها:

ولأنَّها الأجملُ لا تَعبَثوا بوجهِها.. لا تَقتُلوا الأغاني 

اِسمحوا لي أن أتهجّى حُروفي المناضِلَةَ..  اِسمحوا لي أن أصفِّقَ طويلاً لآخرِ ورَقةِ توتٍ سَقطتْ عنْ جسدِ العالمِ:

مرحباً بلالُ.. صوتُكَ للآنَ لم يوقظْنا حين يتعالى صوتُكَ.. ترتدُّ اللغةُ وتُعلنُ إلحادَها القَوافي.. فلا ربٌ يَحميها من التّشبيهِ.. ولا سماءٌ تُعيذها من سِحرِ البَلاغَة.. ولا بيتٌ يَقيها شرَّ البَيان.. 

يا بلالُ ابحثْ مَعي في وجهِ القبيلةِ عن غزةٍ  تَشبهُها.. بوجهٍ أسمرَ بعينينِ لوزيتين وفمٍ كمثريّ.. بشفتينِ أثقلَهُما التبغُ وطعمُ النارنج ورائحةُ الخبزِ.. تَتلمسُ عُشَّ الحَمامِ فوقَ رأسِها.. وتُلملمُ دفءَ مَنْ كانَ فيها.. اِبحثْ معي عن أغنيةٍ ما زالتْ عالقةً عندَ الحَوافِ الحادّةِ للأرصِفةِ.. عندَ منعَطفاتِ الشوارعِ.. عندَ عَتباتِ البُيوتِ.. عندَ مقاماتِ الأغاني..  عندَ الأراجيحِ التي تَذرعُ الهَواءَ جَيئةً وذَهابا.. عندَ البداياتِ المضمرةِ بقضمةِ تفّاحة.. أو عندَ النهاياتِ المسوّرةِ بورقةِ التوت.. عندَ أولِ اشتعالٍ لوترِ العودِ وآخرِ انطفاءٍ لقيثارِ الوقتِ.. عندَ أولِ اللهبِ وآخر وَصايا النبيينَ.. عندَ ليلةِ العيدِ.. وربّما ما زالتْ عالقةً عندَ الضوءِ الأحمرِ لإشاراتِ المرورِ..  

يا بلالُ.. عَلى سطحِ الدارِ ثمّةَ صلاةٌ نائمةٌ.. لا توقِظها.. اُتركِ الأمرَ للعصافيرِ.. تَنثرُ حَبّاتِ البياضِ عَليها فتستفيقُ.. لا تَرتَبكْ إذا ساحَ الضوءُ من فَمِها.. ذاكَ رضابُها.. وفي لحظةِ ارتجافِ المدِّ بعَينيها.. يَسيحُ  سحرُ أزهار ِالتوليبِ على وجهِها البلّوْري. 

يا بلالُ.. حين تُصغي لصمتِكَ.. يَسقطُ التأويلُ.. وتَنزاحُ اللغةُ إلى مواقعَ خلفيّةٍ.. انزعْ عنكَ ثوبَ الرّهبنةِ وابقَ بزغبِ 

الطيرِ. 

يا بلالُ ما كانَ عليكَ أن تخلعَ صوتَكَ وأن تختَصرَ المعنى المبجَّلَ فيه.. اُطرقْ بابَ القبيلةِ وادخلْ مَنفاكَ كي تَستريحَ.. ولأنّكَ.. أنتَ.. بسمرتِكَ المعهودةِ.. بخجلكَ العَسلي.. باخضرارِ عودِكَ كثمرِ الليمون.. راغتْ العربُ عنكَ.. فلا غُوايةَ..  ولا وَرقةَ توتٍ.. ولا تُفاحَ.. ولأنّكَ وَحدكَ.. ولا تَعرفْ معنى أن تكونَ وحدَكَ.. وَحَتى يَأذنَ الرمْلُ ويَستفيقَ فيكَ الهجيرُ.. اُركُلِ البابَ بآخرِ خطوةٍ لكَ.. خُذْ لغتَكَ الهاربةَ من طوقِ 

المَعاني.. 

خذ (الغضبُ الساطعُ آتٍ وأنا كلّي إيمان).. خذ (لاحت رؤوس الحراب تلمع بين الروابي).. خُذْ ما بقيَ منكَ إلى الله.. يا بلالُ وغنِّ.