شيءٌ عن المرجعيات التوثيقيَّة للسياسة والحكم عند المسلمين

آراء 2025/01/29
...

 أ.د عامر حسن فياض


السياسة في اللغة العربية مصدر من الفعل ساس أو سوس، وهي الرئاسة والقيام بالامر وتدبيره بما فيه الخير والصلاح. وهي تفيد معنى ولاية أمر الناس وتدبير شؤونهم وإدارة أمورهم وتوجيههم وقيادتهم.

والسياسة من حيث هي كذلك ركن تأسيسي من أركان كل اجتماع انساني فلا غنى عنها. حتى وصف هذا الاجتماع بأنه سياسي، وأصبح أعضاؤه كائنات سياسية بقدر ما هم كائنات اجتماعية. وعلى هذه المقدمة تتأسس مقالتنا المختصرة عن المصادر والمرجعيات التوثيقية البشرية للسياسة والتفكير السياسي الشرقي الاسلامي. 

إن مع المصادر القدسية للسياسة والحكم المتمثلة بالنصوص القرآنية والسنة النبوية اشتملت المصادر البشرية للسياسة والحكم عند المسلمين على اجتهادات ولاة الأمر والأحداث التاريخية الكبرى تضاف اليها المصادر البشرية النظرية والعملية عند غير المسلمين، وتشمل مجموعة الأفكار والقيم السلوكية والتقاليد التطبيقية في المجتمعات غير الاسلامية، التي فتحها المسلمون او احتكوا بها وتعاملوا معها، وكانت ذات مضامين وأبعاد سياسية، فأخذها المسلمون واقتبسوها على المستويين النظري والعملي، وشمل ذلك المجتمعات اليونانية/ الاغريقية والهندية التي أخذوا عنها قيما وأفكارا سياسية نظرية، والمجتمعات الفارسية والبيزنطية، التي أخذ المسلمون عنها قيما وافكارا سياسية عملية، ولعل أبرز ما اقتبسه المسلمون من المجتمعات الأخرى غير الاسلامية من أفكار وتطبيقات سياسية، هي مبدأ الوراثة في الحكم، والسلطة الاستبدادية المطلقة والترف والمظهرية والفردية وغياب الشورى. 

اما المراجع التوثيقية الاسلامية للسياسة، فهي التي يمكن أن نعثر فيها على أفكار وتفسيرات وتطبيقات ذات طابع سياسي وتشمل الخطب، الرسائل، الاعمال الادبية (الشعرية والنثرية)، كتب السير والتواريخ، الكتب الموسوعية، الكتب الفقهية، الكتب السياسية المتخصصة، حيث انتشرت الأفكار السياسية ونظريات السلطة والحكم في خطب ورسائل الخلفاء والصحابة وكبار القادة والولاة والقضاة والحكام واشعار الشعراء واعمال الادباء النثرية التي ضمتها مؤلفات متعددة بقدر ما هي متنوعة، شملت كتب السيرة النبوية وسير الصحابة والخلفاء وكتب طبقات الفقهاء وأعمال مؤسسي واعلام المذاهب والمدارس الفكرية والفلسفية وتواريخ الدول والسلالات والسنين. 

كما نجد تلك الافكار والنظريات الخاصة بالسلطة والحكم في كتب المعارف المتنوعة ذات الطابع الموسوعي، كالعقد الفريد والأغاني وصبح الأعشى، فضلا عن كتب الفقه، التي تضمنت آراء الفقهاء وفتاواهم واجتهاداتهم بشأن المسائل السياسية ومشكلاتها.

وأخيرا وليس آخر، الكتب المتخصصة بمعالجة الشأن السياسي أيا كانت طبيعتها وافكارها واهدافها، كالأحكام السلطانية للماوردي، والسياسة الشرعية لابن تيمية والامامة للقاضي عبدالجبار الهمذاني، وآراء أهل المدينة الفاضلة والسياسة المدنية للفارابي...الخ من المؤلفات التي اختصت بمعالجة السياسة وموضوعاتها في النظرية والتطبيق تأييدا ومعارضة.