ورثت العملية السياسية في العراق بعد 2003 عراقا معزولا عن محيطه الخارجي، علاقات متوترة مع غالبية دول الجوار، وقطيعة وعداء مع ايران والكويت، وفتور مع غالبية الدول العربية، وصراع مع اهم العواصم الغربية، اضافة الى بنية تحتية محطمة، وديون هائلة، وقوة بشرية محبطة عانت ويلات الحروب وقمع السلطة وقسوة الحصار الاقتصادي.
واليوم نحن في العام 2019 وبعد ان مر العراق باخطر مراحل التحديات والمصاعب وبالخصوص التحدي الارهابي الذي ظهر بابشع صورة اسهمت فيها عوامل داخلية وخارجية، تقع على حكومة عادل عبد المهدي مسؤولية ترميم الجراح والبدء بمرحلة بناء واعمار تنتقل بالعراق من مرحلة الدولة الريعية باقتصاد احادي الجانب الى دولة تمتلك مقومات التنوع والنهوض والتنمية، وتنفيذ مفردات البرنامج الحكومي الذي طرحته هذه الحكومة امام الشعب.
وهو ما ورد بكلمة عبد المهدي امام المشاركين في مؤتمر التصنيع العالمي بمدينة خيفي الصينية اذ وصف حال العراق بطائر الفينيق الذي ينهض من الرماد كل مرة مثلما مرت به الصين عبر النصف الاول من القرن العشرين قبل تحقيق معجزتها الاقتصادية.
واذا كانت العلاقات المتميزة للعراق مع الدول الغربية قد منحته مساحة اكبر للقرار فان اختيار الشركاء الاقتصاديين بعيدا عن محاور استقطابات السياسة هو بحد ذاته خيار ستراتيجي ناجح يعطي نتائج ملموسة.
ومن هذا المنطلق كان التوجه نحو الصين البلد الذي اشعل المفاجأة الاقتصادية بتجربته التنموية المذهلة والتي تحول بموجبها من بلد نامٍ محدود الثروات الى اكثر بلدان العالم تطورا.
للصين قدرات وتجارب هائلة في انشاء الطرق والجسور والبنى التحتية وتوليد الطاقة الكهربائية وتكنولوجيا الاتصالات والسدود والمياه والزراعة وتجربة الصين المهمة في تأسيس نموذج اقتصادي يربط بين الاشتراكية والسوق الحرة، اضافة الى نموذج دولة بنظامين.
يرتكز الانفتاح على آسيا وبكين بالتحديد الى عمق العلاقات التاريخية التي تربط العراق مع الصين والتي تمتد الى حقب سحيقة قدمت بها حضارة وادي الرافدين وحضارة الصين المنجزات العلمية والمعرفية للانسانية.
فالصين التي ارست مبادرة الحزام والطريق تبدو انها مصممة على بناء علاقات مع شركاء سابقين تقوم على احياء طريق التجارة التاريخي القديم المسمى بطريق الحرير وفق مساراتها السياسية التي قامت على مبدأ السلام والتنمية.
وبينما انتم تطالعون هذا المقال يكون الوفد العراقي برئاسة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قد توصل الى اتفاقات ستراتيجية مهمة مع زعماء الصين وقادتها، تضمن الانتقال الى مرحلة جديدة من العلاقات والشراكة والتعاون مع هذا البلد الصناعي المهم في اكثر من اتجاه لتدخل بموجبها العلاقات العراقية الصينية مرحلة تاريخية جديدة.
ما زالت الصين عامل توازن في السياسة الدولية تعمل على التخفيف من الازمات رغم مواقف الاخرين منها، وهو ذاته نهج العراق السياسي بالنأي عن الصراعات والمحاور والاستقطابات في اشد مناطق العالم سخونة.
هناك اكثر من سبب يمنح قادة العراق الدوافع للانفتاح على دولة تمتلك من المقومات النهضوية والتقنية القدر الكافي على دعم مشاريع نهضة العراق وتشييد بناه التحتية ورفع مستوى التبادل التجاري والتعاون الذي يساعد العراق في بلوغ مرحلة جديدة تضعه على ناصية المستقبل المشرق.