لماذا تحاول روسيا تبرير اتفاقها مع هتلر؟

بانوراما 2019/11/12
...

اندرو روث
ترجمة: خالد قاسم
بعد مرور ثمانين عاما على توقيع الاتحاد السوفييتي وألمانيا النازية معاهدة عدم اعتداء تقضي بتقسيم أوروبا الى مجالات نفوذ، وضعت روسيا الحديثة النسخ للأصلية من اتفاق "مولوتوف- ريبنتروب" وبروتوكوله السري في معرض أمام الجمهور للاطلاع على محتوياته ومتعلقاته، إذ يسعى المعرض حول المعاهدة السوفييتية النازية، التي وقعت في العام 1939، الى تسليط الضوء على السلوك الغربي خلال ثلاثينيات القرن الماضي في التعامل مع مجريات الاحداث.
الى جانب وثائق الاتفاق المعروضة ضمن أرشيف الدولة الروسية في موسكو هناك وثائق تمتد الى فترة ما قبل اتفاق ميونيخ 1938 واحتلال تشيكوسلوفاكيا حتى اندلاع الحرب، ويقول منظمو المعرض أنه يؤكد مخاوف السوفييت، آنذاك، من سعي الغرب الى إعادة توجيه الاعتداء الألماني نحو موسكو. وكانت الرسالة الى اوروبا واضحة بأن الجميع كانوا في المعرض. 
وقد تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال جلسة افتتاح المعرض، وأوضح نقطة مهمة مفادها: "تحت تلك الظروف كان الاتحاد السوفيتي مجبرا من تلقاء نفسه على ضمان أمنه القومي ووقع اتفاق عدم اعتداء مع ألمانيا."
وكان الاتحاد السوفييتي ينفي، ولفترة طويلة من الزمن، وجود أي بروتوكول سري ضمن ذلك الاتفاق الذي تم توقيعه في 23 آب 1923، واستمر على موقف النفي المشدد لوجود ذلك البروتوكول، ولم يعترف به ويستنكره حتى جاء العام 1989 وتحت قيادة ميخائيل غورباتشوف. غير إن روسيا الحديثة تسعى اليوم الى تطبيع اتفاق عدم الاعتداء، قائلة أن المعاهدة السابقة جرى حرفها الى "خارج سياق" الواقعية السياسية الشريرة لأوروبا الثلاثينيات.
هذه المحاولة الى جانب حملة التواصل الاجتماعي لوزارة الخارجية للمطالبة "بالحقيقة عن الحرب العالمية الثانية" قد أشعلت موجة احتجاج من الدول القريبة الواقعة شرق أوروبا والتي ألحقت وقسّمت وفق الاتفاق.
يذكر الخبير السياسي البولندي سلافومير ديبسكي عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله: "إن ضم دول البلطيق والاعتداء على بولندا ورومانيا وفنلندا؛ كل ذلك لم يكن ذا قيمة كبيرة وجزءا طبيعيا من التاريخ، وهذه مشكلة. يجب أن نسأل أنفسنا لماذا نحيي ذكرى كل تلك الأحداث التاريخية. ليس لأن هؤلاء السياسيين مؤرخون، وإنما نحن نفعل ذلك لنبعث رسالة الى مجتمعنا المعاصر عمّا هو صواب وما هو خاطئ."
 
اتهامات متبادلة
الى جانب ميونيخ، تحدث بوتين عن ضم بولندا لأراضي تشيكوسلوفاكية عام 1938 يعد دليلا على أن موسكو لم تكن وحدها من وقعت اتفاقيات مع أدولف 
هتلر. ويرى ديبسكي أن النخب البولندية استنكرت عمليات الضم منذ ذلك الوقت، وأشار الى ملاحظات للرئيس السابق ليخ كاكزينسكي في العام 2009 أمام زعماء العالم، ومنهم بوتين، إذ وصف الضم البولندي بأنه "خطيئة."
من جهتها، نشرت حكومات استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا بيانا قال: إن الاتفاق "حكم على نصف أوروبا بعقود من البؤس." وأضاف البيان: "لهذا السبب أعلن البرلمان الأوروبي اعتبار ذلك اليوم مناسبة أوروبية لذكرى ضحايا الأنظمة الشمولية، ونستذكر كل من كانت وفاته وحياته المحطمة نتيجة لجرائم أرتكبت تحت نير الايديولوجية النازية والستالينية."
يعد هذا النمط من اللغة لعنة على موسكو، اذ ترى مساواة الدورين النازي والسوفيتي في الحرب العالمية الثانية "تزييفا للتاريخ" بل تهديدا لأمن البلاد القومي. فقد كتب لافروف حلال العام 2009: "تحقق النصر بثمن غال جدا ولذلك لن نسمح بأخذه منا، وهو خط أحمر بالنسبة لنا."
يشعر كثيرون في روسيا أن الغرب قلل من قيمة الدور السوفييتي في دحر ألمانيا النازية، وهو نصر كلف حياة نحو 26 مليون روسي وأوكراني ومواطنين سوفييت آخرين.
وقد سعى الكرملين خلال العقد الأخير الى محاربة الانتقاد لسجله خلال الحرب، عبر: تعديل الكتب المنهجية، وتوسيع الاحتفالات بيوم النصر، والتعاون مع المؤرخين، وإحياء الجمعية التاريخية العسكرية الروسية من عهد القياصرة في العام 2012 تحت قيادة سيرغي ناريشخين؛ المسؤول الكبير والذي أختير لاحقا مديرا للمخابرات الروسية.
وبدأت اعادة تقييم الاتفاق منذ 2005 عندما قارنه بوتين مع اتفاقية ميونيخ وإتهم دول البلطيق بمهاجمة روسيا "لتغطية عار الخيانة." مع اندلاع خلاف روسي استوني، في العام 2007، على تمثال برونزي لجندي من الحرب العالمية الثانية، ازداد نشر المؤرخين الروس لكتب ومقالات تدافع عن الاتفاق باعتباره كان يصب في مصلحة بلادهم.
لكن تمجيد الاتفاق ازداد بعد ضم روسيا للقرم سنة 2014 عندما قارنت موسكو دعم اليمين المتطرف لثورة أوكرانيا بخيانة العصر النازي. وبعد ذلك بسنة، وصف وزير الثقافة الروسي فلاديمير ميدينسكي الاتفاق "بالانجاز الكبير للدبلوماسية السوفييتية."