بلومبيرغ وحظوظ الفوز بالانتخابات الأميركية

بانوراما 2019/12/22
...


 
 
سوزان ديل بيرسو  ترجمة: بهاء سلمان
 
رافق دخول عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ الى السباق الرئاسي، والذي أعلن عنه رسميا أواخر شهر تشرين الثاني الماضي، ثرثرة من الطبقة السياسية تشير الى أنه عمل غير عقلاني، فلا يوجد هناك سبيل، ولا يحتاج الديمقراطيون خيارا آخر. ولا يظهر أنصار الحزب الجمهوري الأميركي آراءهم في من يرشحه الحزب الديمقراطي للرئاسة. ومع هذا، يذكر محللون ستراتيجيون شاهدوا بلومبيرغ منذ ظهوره على سطح المشهد السياسي منذ سنة 2001، أنه شخص يستحق البقاء في دائرة الترشيح.
وكان بلومبيرغ قد ترشيحه لمنصب عمدة نيويورك في حزيران 2001، عبر اعلان تجاري يستغرق ستين ثانية، وهو يمتلك وسائل إعلام، وهذا يبدو مألوفا. وقد سارع منافسه الرئيس عن الحزب الجمهوري، هيرمان باديلو، للقول أن بلومبيرغ لم يكن جمهوريا بحق، فهو يقوم فقط بتوظيف الحزب، ولا يمكنه شراء الانتخابات.
 
انقلاب المعادلات
بعد ذلك، تغيّر كل شيء: فقد وقع الهجوم على الولايات المتحدة يوم 11 أيلول 2001، والذي قدر أن يكون يوما مهما للغاية؛ وحاول الجميع معالجة ما حصل لكن، وبفضل زعامة العمدة رودي جولياني وحاكم ولاية نيويورك جورج باتاكي، تمت اعادة جدولة الانتخابات التمهيدية، لتقام بعد اسبوعين فقط من موعدها المقرر. فسحق بلومبيرغ خصمه الرئيس الذي افتقر بشكل كبير الى التمويل، ومضى قدما نحو الانتخابات العامة، والتي، بحسب كل ناقد ومتابع سياسي، لم يكن له سبيل للفوز بها. 
وقال كثيرون أن السبب الوحيد وراء فوز بلومبيرغ كان بسبب احتضانه من قبل جولياني، فبعد أحداث 11 أيلول، نال عمدة نيويورك احتراما واسعا وعلى نطاق عالمي. وكانت مساندة جولياني حاسمة، لكنها لم تمثل العامل الوحيد لصعود نجم 
بلومبيرغ.
يعد بلومبيرغ وفريقه بارعين في فنون التكتيك السياسي، وهم لم يدخلوا السباق بسبب نزوة. 
وكانت الاعلانات التلفزيونية لبلومبيرغ حسنة، وبفضل المال كان يمكن شراء كل شيء، لكن عملية البريد المباشر كانت متّقنة، وظهر أن كل جزء صغير من البريد قد تم تصميمه على نحو خاص لكل ناخب؛ وكان توظيف الحملة للتقنية بغية حشو ملف الناخب بالبيانات فريدا من نوعه.
 
ذكاء سياسي
أثبت بلومبيرغ أن انتخابه لم يكن مسألة حظ عندما أعيد انتخابه سنة 2005. بعدها فعل شيئا لم يخطر على البال، إذ حشد دعما سياسيا كافيا لاقناع مجلس المدينة لرفع تحديد ولاية عمدة المدينة بدورتين، الأمر الذي سمح له بالترشح لولاية ثالثة سنة 2009. 
ومن الصعب توضيح كم كان هذا الأمر صادما حد الذهول، وتطلب من بلومبيرغ تغيير سجله الحزبي الى مستقل. ومع ذلك، حقق الفوز.
وعندما غادر منصبه، كان سكان نيويورك فرحين لرؤيته يترك منصب العمدة، إثنتا عشرة سنة في السلطة كانت كافية للملل. غير إن بلومبيرغ لم يكن مقتنعا بإنهاء تطلعاته السياسية، فقد ضخ مليارات الدولارات عبر مؤسسات بلومبيرغ الخيرية، بضمنها مئات الملايين من الدولارات الى مؤسسة افريتاون للسيطرة على السلاح ومبادرة المدن الأميركية. زوّدت هاتان المؤسستان لوحدهما بلومبيرغ بشبكة سياسية وطنية واسعة جاهزة الصنع، نافسه فيها فقط السيناتور بيرني ساندرز، بسبب حملته لخوض انتخابات 2016 الرئاسية.
لا يسع بلومبيرغ الترشح للرئاسة إذا لم يكن هنالك سبيل لذلك، وهو لا يغامر بتحركاته، إذ يعمل على ادارة حملة وطنية، مختارا تخطي الانتخابات التمهيدية المبكرة، لأن دخوله المتأخر للسباق لا يمنحه الوقت الكافي للتنافس في ولايات محددة. 
ورغم انفاقه مئة مليون دولار للدعاية الانتخابية، لكن من المرجح عدم تمكنه من التأهل لمرحلة المناظرات لأنه أشار لرفضه قبول الهبات، مع اشتراط اللجنة الوطنية الديمقراطية، التي تمثل الهيئة الادارية للحزب الديمقراطي، حصول المرشحين على 200 ألف منحة شخصية للدخول في معترك مناظرات شهر كانون الأول الحالي. وبالمقابل، ليس هناك مؤشر عن إن فريق بلومبيرغ يكترث لهذا الأمر، وربما يصب هذا الوضع لصالحه، فبلومبيرغ ليس بالمناظر البارع، وسيلاحقه المرشحون الآخرون بشكل متواصل. وبهذه الطريق، سيبقي حكايته وفقا لما يراه هو.
 
مواجهة الأصعب
الاختبار الأكثر أهمية سيحل يوم الثالث من آذار 2020، ففي الثلاثاء العظيم سيكون هناك 1300 مندوب متعهّد، يمثلون نحو 35 بالمئة من المجموع الكلي، ويكونون حاضرين ومستعدين للفوز في أكثر من 12 ولاية رئيسة، بضمنها كاليفورنيا وتكساس. ومع عدم وجود فائز يحظى بجميع الولايات، سينقسم المندوبون بين عدة مرشحين، ويجب على بلومبيرغ الحلول أولا أو ثانيا بعدد المندوبين خلال ذلك اليوم كي يثبت كونه منافسا حقيقيا.
وهناك تساؤل عن مدى قناعة بلومبيرغ بمقدرته على النجاح بتحقيق غرضه؟ ويبدو أن تلك القناعة منبثقة من عدة عوامل منها أنه أجرى بحوثه، التي شملت كما هائلا من الاستطلاعات، ومنها أن لديه شبكة تقدر قيمتها بخمسين مليار دولار تكفي لأن يكون من المنافسين، خصوصا اذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن ثلاثة أو أربعة فقط من الديمقراطيين سيكون لديهم المال الكافي للمضي أبعد من ولاية جنوب كارولينا. ومنها أن هناك محاولة لإقالة الرئيس دونالد ترامب.
سوف تعمل محاكمة مجلس الشيوخ، المتوقع إجراؤها خلال شهر كانون الثاني المقبل، على جذب اهتمام الجميع صوب واشنطن، وستؤجل الحملات الانتخابية لجميع المرشحين. 
وسيوفر هذا الحال فرصة لبلومبيرغ لتعزيز روايته الخاصة؛ فالمال لا يشتري الانتخابات، حيث يمكن انفاقه بحماقة، لكن من المتوقع صرف بلومبيرغ لأمواله بطريقة حكيمة. ويدرك هو وفريقه بعدم تحقيق الاعلانات التلفزيونية لهذا الهدف، لكنهم سيطوّرون حملة عالية التوجيه يحلم بها غالبية المرشحين بامتلاكها.
من المتوقع أن يواجه بلومبيرغ العديد من التحديات، لكنه أثبت في نيويورك ما هو قادر عليه، ويفترض أن ينظر اليه كمرشح جدي، لا يمكن تجاهله.