النفط والسياسة

الثانية والثالثة 2020/03/10
...

رئيس التحرير
كلّما يهبطُ سعرُ النفطِ تضطربُ وقائعُ السياسة، ويُصاب العالمُ برجفةِ برد، وربما ينتاب الكثيرين شعورٌ غريبٌ بالإفلاس، لأنّ النفط بيت المال الكبير، وبيت السلطة الغامض، فضلا عن كونه القوة التي تجعل السياسة أكثر توهجاً، والسياسيين أكثر قلقاً وهم يبحثون عن ملاذات تدفع عنهم غائلة الخوف النفطي..
كيف يواجه الاقتصاد الريعي أزمة هبوط أسعار النفط؟
هذا السؤال هو الأكثر مرارة في الحديث عن خطورة المشكلات النفطية، بوصفه سؤالاً وجودياً يتعلق بواقعية الأزمة، وبضرورة البحث عن مصادر أخرى، لإعادة النظر بطبيعة الاقتصاد الريعي، الذي لا يملك فرصاً كثيرة لمواجهة الهبوط المستمر بأسعار النفط الذي سيُمثّل تهديداً خطيراً للاقتصاد والتنمية، ولكلّ المسارات التي يعتمد عليها هذا الاقتصاد، وبقطع النظر عن علاقة هبوط الاسعار بادارة السياسة، وبعلاقة ادارة ملفات الاستيراد والتصدير مع تداعيات مواجهة فايروس كورونا، فإن مواجهة ازمة اقتصاد النوع الواحد ستبقى واحدة من أخطر المشكلات المستقبلية، والتي تفترض دائما وجود معالجات ستراتيجية لتوسيع مديات الدخل الوطني وتنويع مصادر الثروة والاقتصاد، وعلى مستويات متعددة تخصّ انعاش بنى الاقتصاد الاخرى، مثل الضرائب والاستيراد والسياحة، والتأكيد على القضايا التي تخصّ دعم الصناعات الوطنية الصناعية والزراعية، وتقليل هامش الهدر ومواجهة الفساد والترهل الوظيفي وغيرها من المشكلات التي تُثقِل كاهل الاقتصاد الريعي بمشكلات معقدة، وتُضعِف اداء المؤسسات الوطنية..
العراقُ واحدٌ من البلدان النفطية التي تعاني من تداعيات تلك المشكلة، فرغم أن رواتب العاملين في جميع القطاعات مؤمّنة، وبعيدة عن الخطر كما تحرص الجهات الرسمية على ذلك، إلّا أن الحاجة للبحث عن مصادر اخرى لتأهيل الاقتصاد العراقي تكتسب أهمية كبيرة، وفي ظلِّ ظروف ومعطيات قد تكون فيها اسعار النفط، واسواقها عرضة للتذبذب بسبب الازمات السياسية، والصراعات العسكرية والامنية والتجارية كما يحدث مع الصين وفنزويلا، أو للحصارات النفطية كما يحدث مع ايران، وبالتالي ستكون صناعة النفط وتصديره من الأمور المتضررة بشكل مباشر، ومن القضايا الاشكالية التي ستتأثر بها عديد الدول، حيث ستفقد كثيرا من قوتها ومن قدرتها على تلبية استحقاقاتها الوطنية، وعلى تغطية حاجات شعوبها  للتنمية ولدعم برامجها الصحية والخدماتية والاجتماعية والتجارية.
إنّ حاجة العراق الى فك الارتباط مع الاقتصاد الريعي قد تبدو صعبة في ظل هذه الظروف، لكنها ليست مستحيلة، فالأمر يحتاج الى الارادة والى التخطيط والتمكين، والى تبني برامج ستراتيجية تقوم على انعاش مصادر الثروات الوطنية الاخرى في الزراعة والصناعة والسياحة، والتي يملك العراق فرصا كبيرة فيها، لخلق بيئات صالحة للتمويل الوطني، ولتقليل الاعتماد شبه الكلي على الثروة النفطية التي تعاني كثيرا من امراض السياسة، ومن الصراعات الدولية التي تهدف في عديد أهدافها الى تفكيك اقتصاديات الدول النامية التي تملك مثل هذه الثروة، عبر وضعها في سياق تلك الصراعات وفي داخل حرائقها الكبرى..