رئيس التحرير
الحرص على صحة الناس، وعلى عافيتهم يمثلُ خطاً احمر لأية دولة تسعى وتعمل على كسب احترام شعبها، وتمثيله ديمقراطيا وانسانيا، وهذا الحرص لا يكتفي بتأمين شروط الحماية الصحية ذات الطابع المؤسساتي فقط، بل إنّ عملها يتطلب مشاركة الناس في اعمام الوعي الصحي، وفي توسيع مديات شروط الوقاية الصحية، لأن هذه الوقاية هي الوسيلة الاكثر تأثيرا في منع عدوى الوباء، واحسب أن حظر التجوال الذي فرضته خلية الازمة لغاية يوم السبت القادم يمثل الوجه الايجابي لشروط الوقاية الصحية، والاجراء العملي لمواجهة الوباء، وان الالتزام به بدقة وحرص يؤكد وعي الناس بخطورة الوباء، وبحرصهم على أهميته في منع أية زيادة لعدد المُعرّضين للعدوى به لا سمح الله.
الشراكة بين المؤسسات الصحية والامنية والبلدية والبيئية وبين المواطنين هي المجال الذي ينبغي ان نحرص على ديمومته، وعلى تفعيله والتواصل معه، ومن خلاله. وبقدر ما تبدو الحاجة ضرورية لاجراءات ضبط الحركة والالتزام الواعي والمسؤول بالحظر، فإن خلق وتأمين فرص ديمومة الحياة سيكون داعما للاجراءات الرسمية، على مستوى تأمين الغذاء والدواء والحاجات الاساسية، وكذلك على مستوى خدمة الناس وتأمين مصادر عيشهم، ولعل ما اصدرته اليوم خلية الازمة من قرار يقوم على استثناء "المصارف والبنك المركزي وموظفي دائرة الموازنة من الحظر لغرض تأمين الرواتب وتوزيعها بين موظفي الدولة" هو جزء من هذا الجهد التفاعلي الكبير الذي تقوم به المؤسسات الرسمية، والذي يحتاج من المواطنين تفاعلا حقيقيا وقبولا والتزاما، لا سيما الالتزام بحظر التجوال والابتعاد عن التجمعات والزيارات، فضلا عن منع اية مظاهر للتجاوز على مصالح الناس، وقيام البعض باستغلال مثل هذه الظروف لزيادة اسعار المواد الغذائية والادوية أو احتكارها، وهذا ما يتطلب تدخلا من الجهات الرسمية لردع المتجاوزين، لتكريس الامن الاهلي بين الناس.
إن الحرص على تأمين الرواتب، وعدم التجاوز عليها، يؤكد اهمية ثقة الناس بالمؤسسات الرسمية من جانب، واهمية قدرتها على حمايتهم صحيا وحماية امنهم الاجتماعي من جهة أخرى، والذي يعني وجود الامكانات المادية والمالية واللوجستية للدولة لكي تُؤمّن للعاملين في مؤسساتها رواتبهم واستحقاقاتهم، رغم كل الظروف الصعبة، وما تتعرض له اقتصاديات الدول من مشكلات بسبب انخفاض اسعار النفط، والذي يحتاج الى ثقة كبيرة، والى ارادة أكبر، لا سيما أنّ ما يحدث بسبب عدوى الكورونا هو مشكلة عالمية، وكل الدول تعاني من تداعياتها صحيا واقتصاديا وامنيا، وتتطلب وعيا عاليا وتعاونا كبيرا بين الدولة ومواطنيها لغرض مواجهة الصعاب، وتجاوز مراحلها الخطرة، لغرض خلق بيئة اجتماعية وصحية ونفسية جوهرها التعاون والتكافل والتشارك، وهو ما اكدت عليه المرجعية العليا بدعوتها الى تعزيز روح التكافل بين الناس لأنه مصدرٌ للالفة والتعاضد والحب الذي هو جوهر الايمان..