{كورونا} والنظام العالمي

الثانية والثالثة 2020/03/30
...

رئيس التحرير

وضعت أحداث انتشار فيروس كورونا العالمَ أمام مفارقة عميقة، اهتزت معها قيم الحداثة والعولمة، وصورة الإنسان الغربي السوبرمان، مثلما وجد النظام العالمي نفسه أمام تغيرات بنيويَّة كبيرة، على مستوى فكرة السوق الحرة والمزدحمة، أو على مستوى إدارة الاقتصاد والسياسة والأمن، أو على مستوى النظام الاجتماعي وقوة العسكرة والتكنولوجيا، فانهيار وفشل النظام الصحي في الغرب سيكون سبباً في كشف العيوب العميقة في بنية النظام الرأسمالي العام، وفي خلخلة عقلانيته وليبراليته الفائقة..
ما يجري على جبهة "كورونا" يفتح كلّ الجروح القديمة، ويضع العالم أمام صراع لا حدود له، وأمام وقائع من الصعب السيطرة على تداعياتها، فهذا الفيروس الشرس والمعقد، اخترق كل الحصون، وأربك كل الخطط، وفتح الأبواب السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة والصحيَّة على فراغ فنطازي، تبدت فيه رثاثة الأنظمة التقليديَّة، وضعف عناصر القوة التي يمتلكها الغرب الفائق في مواجهة اللا متوقع في هذا الصراع ذي الطابع العلمي والصحي البحث..
كما أنَّ انشغال الولايات المتحدة بحروب التجارة والعسكرة والسيطرة مع روسيا والصين وإيران ما عاد سوى انشغال عبثي، إذ تحولت تلك الحروب الى خيارات غامضة، وغير واقعيَّة، لا سيما مع روسيا التي تعرف خطورة الحرب عسكرياً واقتصادياً وحتى على صعيد الجغرافيا، كما أنّ الصين تدرك خطورة المجازفة بقبول مثل تلك الحروب المعقدة، لكنَّ ما جرى في يوميات كورونا جعل استمرار حرب التجارة واللغة مع الصين وكأنها نوعٌ من الكوميديا السوداء، وربما حربٌ تستبطن شكوكاً مضادة حول وجود دورٍ غامضٍ لجهات أكثر غموضاً تسعى سراً الى إشعال حربٍ ذات توصيفات بايولوجيَّة ضد الصين، لكسر هيبتها، ولإخضاعها لمزاجية العقل والسوق الأميركيين.
التصاعد المرعب لأعداد المصابين في الولايات المتحدة بعدوى فيروس كورونا يكشفُ عن تصاعد لعبة الرعب في العالم، فبقطع النظر عن تأجيل الحديث عن عقدة شركة هواوي، وعقدة التجارة وحرب الموبايلات، ونظام الاندرويد الأميركي، برز للسطح الحديث الساخن عن الشكوك بين الدولتين، وصولاً الى حرب العقاقير العلاجيَّة، لأنَّ من يصنع العقار سيسيطر على العالم، لا سيما أنَّ العديد من دول أوروبا الرأسماليَّة وجدوا أنفسهم إزاء هشاشة طبيَّة وعلميَّة، فلم يتمكنوا من مواجهة هذه الأزمة الخانقة، فبات المشهد في المدن والشوارع كأنه أقرب الشبه بجحيم دانتي الذي روّج له الغرب كثيراً، بوصفه جحيم الآخرين..