{كورونا} والرأي العام

الثانية والثالثة 2020/04/01
...

رئيس التحرير
يمكن أنْ تكون صناعة الرأي العام من الصناعات الثقيلة، ومن الممارسات التي تحتاجها المجتمعات والدول لتكوين فعاليات اجتماعيَّة وسياسيَّة ضاغطة، لكنَّ هذه الصناعة تبقى رهينة القوة المجتمعيَّة، ورهينة الأفكار والمعتقدات السائدة، والبيئات السياسيَّة والثقافيَّة..
ما نواجهه اليوم من تحديات، ومن وقائع يتطلب الوجود الفعّال للرأي العام، ليس للتحشيد فقط، أو للالتزام بالإجراءات التي تقرّها الدولة، بل لخلق وعيٍ اجتماعي ضاغط، وساند للالتزام، وقائم على أساس الحاجة والمعرفة بالشيء، أو حتى على ضرورة إنضاج الاستعدادات العامة للتفاعل مع السياسة الصحيَّة العامَّة التي تتبعها الدولة في مواجهة الكوارث، أو الأوبئة، والتي نعيشها اليوم مع جائحة فيروس كورونا..
وبائيَّة كورونا التي تجتاح العالم ليست موضوعاً للاجتهاد العمومي، ولا لبيان اختلاف الآراء بشأن صحة أو خطأ الإجراءات، بقدر ما هي أمرٌ يتطلبُ التآلف والكتاتف، لأنه خطرٌ عام يهددُ الأمن المجتمعي، ويستلزمُ وجود الرأي العام الجامع والضاغط والحافظ للمصالح المشتركة، على مستوى بناء المواقف، أو ضبط الممارسات، أو تأهيل البيئة الوقائيَّة، فضلاً عن أهميته في تغيير العادات وأنماط السلوك السلبيَّة، وباتجاه إيجاد استجابات عقلانيَّة وسلوكيَّة تتواءم والحاجات الوطنيَّة والوقائيَّة، ومع ما يخصّ التقيّد بتوجيهات خليَّة الأزمة الخاصة بحظر التجوال وتجنب الاختلاط والتواجد في الأماكن المزدحمة.
تفاعل عناصر الرأي العام التي تشمل الأفراد والأسرة في المجتمع، والأفكار في السياق، والمعتقدات والاتجاهات السائدة والمهيمنة، تعكس مدى الضرورة لإبراز مظاهر التساند والتشارك والتكافل، ولإيجاد الاجتماع الرشيد الذي يُمكن اعتماده في تتبع وقياس النشاطات المجتمعيَّة، وفي بيان الحرص على مدى الالتزام بضوابط وشروط الوقاية الصحيَّة، فضلاً عن كونها من المصادر المهمة في التأسيس الواقعي لقوة وفاعليَّة الرأي العام في حالات الطوارئ، إذ سيكون لهذا التأسيس أثره الكبير في تنمية الوعي، وفي تحسين الأداء، وفي تحفيز الأفراد ضمن المجتمع على الالتزام، وعلى القيام بما هو إيجابي وإنساني ووقائي.
إنّ التصدّي لوبائيَّة فيروس كورونا يتطلبُ وجود الرأي العام الوطني، الهادف الى التأثير الفاعل على مثل مستويات هذا الحدث الخطير، والذي يتطلب الشعور بالانتماء أولاً، وبالمسؤوليَّة الوطنيَّة ثانياً، وبطبيعة المصالح المشتركة بين الناس ثالثاً، وبمعرفة الأخطار الناجمة جرّاء تفشي مثل هذا الوباء، وتأثيره في الصحة رابعاً، مثلما هو دورها في صناعة الخطاب الإعلامي الذي يعزز الأهداف والقيم الإنسانيَّة والثقافيَّة في المجتمع خامساً.