لا لقتل أنفسنا بأيدينا

الثانية والثالثة 2020/04/05
...

علاء هادي الحطاب 
 

لم يجد العالم كل العالم حتى الآن دواء لمواجهة انتشار فيروس (كوفيد – 19) كورونا المستجد إلا بالابتعاد وعدم الاختلاط والحجر في المنازل وفرض إجراءات صارمة لحظر التجوال، وبعضها استند في إنفاذ هذا الأمر لوسائل عدة منها فرض غرامات ماليَّة كبيرة، ومنها الحبس المؤقت، ومنها التأديب بالضرب كما في الهند، وغيرها لا لشيء إلا لأنَّ العلاج الوقائي الوحيد المتوفر حالياً هو فرض حظر التجوال وعدم الاختلاط.
لا يوجد سليمٌ يحبُ العزلة والحجر على نفسه، والإنسان خُلق بطبيعته اجتماعياً يتواصل مع أقرانه ولا يمكنه العيش وحيداً على الإطلاق، لكنَّ الظرف الحالي حتمَ عليه من أجل أن يبقى ويحافظ على نفسه من خطر انتقال العدوى له أنْ يلزم مسكنه ولا يخرج حتى تنكشف هذه الغمة. دولٌ صناعيَّة عظمى أغلقت أبوابها وأصبحت مصانعها خالية كالولايات المتحدة الأميركيَّة وغيرها، وأخرى ثقافيَّة وسياحيَّة باتت اليوم شوارعها خالية مقفرة وموحشة كفرنسا وغيرها، وأخرى سياسيَّة كبيرة لا تعرف النوم لكثرة زيارات زعماء دول العالم لها باتت اليوم بؤرة لهذا الوباء كمدينة نيويورك، وأخرى رياضيَّة أوقفت كل أنشطتها، بل أنشطة العالم بأسره توقفت، فلا مجلس الأمن يعقد اجتماعاته ولا الجمعيَّة العموميَّة للأمم المتحدة ولا الجامعة العربيَّة ولا الاتحاد الأوروبي ولا غيرها من المنظمات السياسيَّة والاقتصاديَّة التي تقودُ العالمَ بأسره تجتمعُ اليوم، وتحولت اجتماعاتها الطارئة عبر الدوائر التلفزيونيَّة المغلقة؛ كل ذلك لتفادي عدم الاختلاط المباشر بين بني البشر وعدم منح هذا الفيروس فرصة للانتشار وحصد مزيدٍ من الأرواح.
والعراق جزءٌ من هذا العالم الذي اضطربت أحواله وانقلب رأساً على عقب، فكان إجراء الحظر واجباً وقائياً لا مفر منه في سبيل عدم انتشار الوباء.
نعم لهذا الحظر في العراق سلبيات كثيرة كما هو في العالم كله وأكثر المتضررين منه هم الفقراء والمعوزون الذين يعيشون يومهم بما كسبت أيديهم "يومياً" وإنْ لم تستطع هذه اليد أنْ تكسب ما تأكله فإنها ستبقى بلا طعام، لكنْ ما العمل، هل نستسلم للموت بهذا المرض الخطير الخبيث، أو نصارع الحياة من أجل البقاء؟ حتماً العقل والمنطق يفرضان علينا أنْ نواجه ونصارع أخطار الحياة من أجل البقاء، فدعوات كسر الحظر وإنْ غُلفتْ بأسباب في بعضها حقيقيَّة إلا أنها تبقى دعوات لقتل أنفسنا جميعاً بسرعة البرق وبالمجان، فحتى لو كُسر الحظر عندها لن يجد عامل البناء من يطلبه للعمل، ولن يجد العامل في مرافق أخرى من يطلبه للعمل؛ لأنَّ الحياة متوقفة تماماً سوى الأكل والشرب والنوم والبقاء في المنازل باستثناء المكلفين بأداء مهام استمرار هذه الحياة من عمال وموظفي الخدمات البلديَّة والصحيَّة والأمنيَّة والإعلاميَّة وغيرهم.
دعوات كسر الحظر وبهذه الطريقة الممنهجة تترك خلفها عشرات التساؤلات ونتيجتها واحدة لا أكثر هي تحويل المناطق التي كُسر فيها حظر التجوال الى مناطق وبؤر لهذا الفيروس والمرض الفتاك.
علينا جميعاً بغض النظر عن المسميات واختلاف الألوان والأعراق والمذاهب أنْ نواجهَ دعوات قتلنا ونواجه كذلك بالدرجة الأولى مسببات هذه الدعوات من خلال تكاتفنا وتكافلنا جميعاً في الزقاق الواحد وصولاً الى المدينة والمحافظة والدولة.
نتقاسمُ الخبزَ والماءَ، ننفقُ مما زاد من أموالنا - هذا ليس نثراً أو كلام عواطف - أو مجاملة، بل يجب أنْ يتحولَ الى واقع في ما بيننا فلا سبيل لنا سوى ذلك.
فلو أنفق كل من لديه وفرة بسيطة في المال على جاره المحتاج بشراء الأغذية والخضراوات والحاجيات الضروريَّة عندها ينتفي مسوغ دعوات كسر الحظر، وهذا ليس خيالاً ولا صعب المنال والتحقق، لا سيما في العراق الذي عُرف أهله بالكرم والسخاء وضربوا أروع أمثلة الكرم والإنفاق لإطعام محتاجيهم إبان التجمعات الكبيرة في الزيارات المليونيَّة، فلو أنفقنا اليوم كما ننفقُ في تلك المناسبات، لا سيما أنَّ الهدف واحدٌ هو تقديم الحاجة لمحتاجيها لتجاوزنا الأزمة بسهولة.