الشهيد الصدر الذكرى والشهادة

الثانية والثالثة 2020/04/09
...

رئيس التحرير

بين استشهاد السيد محمد باقر الصدر وسقوط النظام  السابق أكثر من دلالة، وأكثر من ذكرى، فالشهيد الصدر كان صاحب الموقف الرافض للاستبداد، والطغيان، ولإقصاء  الآخر، مثلما كان النظام السابق عنوانا للغلو والمجاهرة بالعنف والكراهية، وبالنزوع الى القتل والحرب وأخذِ البلاد الى المجهول..
بعد اربعين عاما من ذكرى الاستشهاد، وسبعة عشر عاما من السقوط تُثار كثير من الأسئلة، التي تخصّ مفهوم البطل الاخلاقي، الذي مثّله الشهيد الصدر، المؤمن بقيم العدالة والحق والشهادة، مقابل ما تُثار أسئلة أخرى حول مفهوم السلطة الغاشمة، وطبيعة خطابها، وديكتاتوريتها، والتي وضعت الجميع وطوال عقود أمام ذاكرة الخوف والقهر والحروب العدمية.
قراءة هذه الثنائية لا تخضع لحسابات السسيولوجيا المجردة، بل للبحث عما هو عميق في معاني الشهادة والتضحية، التي قدّم فيها الشهيد الصدر وأخته العلوية بنت الهدى نفسيهما قربانا، مقابل الحفر في هوية الديكتاتور، بوصفه عنوانا لاستبداد السلطة، في قسوتها، وقتلها وارهابها، وعلى نحوٍ يجعل من هذه القراءة مدخلا لمقاربة التاريخ السياسي العراقي المعاصر، عبر ذاكرة انقلاباته وحروبه وصراعاته، وعبر صعود قوى الطغيان السياسي والايديولوجي والعسكري والطائفي، والتي فرضت خطابها ورؤيتها بالقوة وبالقهر الاجتماعي والسياسي، وبفرضية مركزية العنف القرابي للايديولوجيا، التي جعلت من السلطة هدفا لسياساتها، ومجالا  إكراهياً لسيطرتها على الآخرين بالتخويف وبالقهر والغلبة..
ضحايا السلطة هُم شهودها، وهم الاحياء الذين أسسوا بصبرهم شهادة على انكسار هيمنتها، فالشهداء هم الشهود الكبار، وهم القوة الاخلاقية، التي ظلت تصنع وعيا عميقا للمعارضة، وموقفا يكبر في ضمائر الناس، وفي رفضهم للظلم والكراهية، فالشهيد محمد باقر الصدر، كان أفقا لوحده، ودرسا انسانيا للصبر والايمان، وقيمة للكبرياء والشموخ، على مستوى صياغة السؤال الاخلاقي للأمة، أو على مستوى انضاج الخطاب المعارض في وضوحه، وفي شجاعته، فضلا عن ما كان يحمله من قيم ثقافية وشرعية، استلهمت روح الاسلام وعدالته، وفي نظرته للبطولة التي كانت عناوينها ماثلة في شخصيتي الإمام علي بن أبي طالب، والامام الحسين (عليهما السلام)، في احقاق بطولة الحق والعدل، وفي رفض الخنوع والقبول بالذل والمهانة، وتلك هي عتبة الشهيد الصدر الكبرى للشهادة، ولحديثه ووصاياه عن المستقبل الذي نريده اليوم، عبر مواجهة كلّ مظاهر الظلم والفساد والاستبداد، وعبر بناء الدولة العادلة وحكمها الرشيد، وعبر النظر الى الجميع على اساس الأخوة والمواطنة، وعلى اعتماد كل الامكانات والوسائل، التي تجعل من مفاهيم العيش الكريم والحكم متواشجة، وليست متنافرة، لأن اتساقهما هو المدخل التأسيسي للبناء والتكافل، ولفرض سيادة القانون والعدل بعيدا عن اكراهات الظلم والاستبداد اللذين تركا العراق عند ذاكرة سوداء للمقابر الجماعية والحروب والمفاسد.