الرياحُ الضآلة

--- 2020/04/19
...

أسعد الجبوري
 

دون كيشوت :لقد كانت سهرةً مثالية ورائعة عشتها البارحة بكل الحواس.
سانشو:عن أية سهرة تتحدث يا سيدي الدون ؟!!
دون كيشوت :سهرة ((حيرت قلبي معاك))  يا سانشو .
سانشو:  هل زرت السيدة أم كلثوم في المقبرة ، أم حلمت فحضرتَ حفلة لها في المنام يا سيدي الدون ؟
دون كيشوت :كلا أيها التابع الأحمق. أنا استحضرتها استحضاراً  بواسطة ساحر هندي ،حتى جاء لي بها لتغني بين الطواحين.
سانشو: وما المناسبة. هل عكفت على الزواج يا سيدي الدون، فأردت طرد غراب العزاب من رأسك ومن حياتك الشاقة التي قضيتها بمعارك الطواحين؟
دون كيشوت: لو كانت غايتي الزواج، ما كنت حرصت على عدم إخبارك بذلك الحدث الجلل، فأنت ستكون الإشبين الذي يقف ما بيني وبين العروس الكبرى؟!
سانشو: ما قصة الكبرى هذه يا سيدي الدون.هل هناك عروس صغرى وعروس كبرى ومتوسطة؟!!
دون كيشوت : ما زلت غبياً يا سانشو، وتسرحُ بدماغك الماعز .
سانشو: لمَ تخاطبني هكذا. أ هي لغتك التي لا تفارق الزجر والتأنيب والرصد والتنقيب فيما وراء دماغي؟
دون كيشوت : أجل. ويحق لي أن أكون ديكتاتورياً ولو ع لى فرد واحد مثلك يا سانشو. أ تعترضُ على ذلك ؟
سانشو: لا خبرة لي بالنقد التاريخي للتراكيب السياسية، ولكنني قد أصرخ بوجهك رافضاً عبودية الحرب لي، ولا أن أكون عبداً مقنناً بأفكار سيده ورمح سيده ودابّة سيده ولسان سيده السليط والمعقوف كالخنجر اليمني.
دون كيشوت: ومن علّمكَ كل هذه الأفكار والخرابيط المعجونة بالمصطلحات التي 
لا طائل منها .هل سبق لك وان قرأت قصيدة للشابي؟ 
سانشو: ومن يكون هذا. اتقصدُ الشاعر التونسي المرحوم أبو القاسم الشابي؟
دون كيشوت: نعم هو بعينه. شاعر البيت الواحد الذي أفسد أخلاق الناس مذ قديم الزمان عندما قال شطر وعجز ذلك البيت المسموم الممتلئ تخريفاً وهذياناً :
 (إذا الشعب يوماً أراد الحياة  - فلا بد أن يستجيب القدر)
قال بيته التحريضي العليل ذاك،ومات بعدها دون أن يترك خلفه من الدواب بقرة تنتفع الشعوب من لبنها الرائب 
كأساً. 
سانشو: لم تكن العلة بالشاعر، انما  ببشر الشعوب التي استقوت الأمراضُ الفاشية الديكتاتورية اللاهوتية عليها، فحرضت حتى القدر والمقادير عليهم ،فصار الموتُ ينازعُ البلدان جهاراً، ويجعل من الحريات مقابر والرؤوس أقفاص ، لا يخرج منها سوى أنين الأدمغة المعذّبة . 
دون كيشوت: لا تسترسل طويلاً أيها الفيلسوف الأحمق . فلو بلغت الشعوب أهدافها، ما بقيتُ أنا قائداً عظيماً على هذه الطواحين المطيعة لكل حركة من رمحي الستراتيجي اللا مثيل له.
سانشو : أكاد أصدقُ!
دون كيشوت :وما الشيء الذي لم تصدقه من قبل يا سانشو؟
سانشو: أن تستمر بعزوبية الخداع للأبد!
دون كيشوت: هل تريدني أن أترك ساحات الوغى، وأنام مع المدام في التخت ؟
سانشو: أجل، فستجد في السرير ما لم تحلم به من قبل. 
دون كيشوت : ولمنْ سأترك الميادين أيها البهلول ؟
سانشو: للرياح التي ستهب مع أغنية ((حيرت قلبي معاك)) يا سيدي الدون.
دون كيشوت: وإذاً ..سأعطي أوامري للطواحين بعد التزود بهواء الرياح الضآلة.