كورونا..شائعة الجهل

الثانية والثالثة 2020/05/31
...

علاء هادي الحطاب 
اصعب التحديات التي يمكن ان يواجهها اي مجتمع في سبيل تطوره وتقدمه وامنه ورفاهيته هو الجهل ، لذا نجد ان الدول المتقدمة اليوم كانت في صيرورة تطورها قد انفقت الكثير من الاموال والجهود في سبيل العلم والبحث، وادركت منذ البداية ان اساس اي نجاح، سواء في تجاوز مشكلة ما او المضي بمشروع، هو العلم والمعرفة والبحث المستمر، وعلى هذا اصبحت التنشئة الاجتماعية لتلك الامم المتقدمة قائمة على المعرفة والدراسة والبحث، ففي بعضها تنعدم الامية، وكان الكتاب ولايزال رفيق مواطنيها في وسائط النقل العام، ولا يكاد الكتاب يفارق كبيرا لهم او صغيرا، لذا تجد الدولة لا تألو جهدا كبيرا في امضاء سياساتها العامة على مواطنيها. 
وبالفعل استجاب مواطنو معظم دول اوروبا لسياسات حكوماتهم لمواجهة جائحة كورنا رغم " ليبرالية " حياتهم، والتزموا عن دراية وقناعة في السياسات العامة التي فرضتها الدولة عليهم، بل ان بعض تلك الدول كالسويد لم تفرض الحظر الشامل لتنقل مواطنيها بل اعتمدت على وعيهم في تنفيذ اجراءاتها الوقائية للحد من انتشار هذا الوباء، وبالفعل بدأت اعداد المصابين والوفيات تتراجع كثيرا، نعم الحياة ليست وردية وهناك شواذ لـ" قاعدة التزام " المواطنين، لاننا في ازمة ولسنا في حالة رخاء، لكن النسق العام للمجتمع كان مستجيبا لاجراءات دولته وهذا مرده بالشكل الاساس الى الوعي التراكمي والثقافة المتواصلة بين الاجيال، والتنشئة العامة الصحيحة التي تساعد المجتمع على فهم دوره ازاء نفسه والدولة. 
بالمقابل وللاسف عندنا من شكك حتى اللحظة بوجود وباء يفتك بالناس اسمه وباء كورونا " كوفيد-19" وينظّر ان هذا المرض كذبة، تارة اميركية واخرى صينية، وشخصيا سمعت ممن يعدون انفسهم " نخبة" ذلك التشكيك متسائلين .. (هل يوجد في عشيرتك من اصيب او توفي بكورونا؟) وكأن من يصابون اليوم في العراق والعالم او المتوفين به جاؤوا من الفضاء.
وهذا الجهل بالتعامل مع وجود وباء عالمي انتج ما نشاهده هذه الايام من ارتفاع مستمر في عدد الاصابات نتيجة عدم التزام الناس باجراءات الوقاية، فضلا عن الحظر، ووصل الامر الى عودة حفلات الاعراس في الشوارع. 
هذا الجهل افقدنا المبادرة في امكانية التخفيف من سرعة انتشار المرض وان استمر سيفقدنا كثيرا من الاحبة، وستحل بنا كوارث لا تتوقف فقط عند ازدياد حالات الاصابة وخروج الامر عن سيطرة الكوادرالصحية، بل ستعقبها ازمات مجتمعية واقتصادية مهلكة - لا سمح الله - ولن يدرك عندها من عَمِلَ على تجهيل الناس عِظم خطيئته، لانه مصر على ذلك وواقع في جهل مركب، جاهل، وجاهل بأنه جاهل. 
مهما فُرضت اجراءات للحظر فلن تنجح ما لم يكن المجتمع طرفا في انجاحها وكل "تأريخ الاوبئة والامراض " لم تنجح الا باستجابة المجتمع لممكنات تجاوزها، فلنتكافل هذه المرة على توعية المجتمع بأنه صاحب المبادرة في سلامة ابنائه .