مسؤولية الشيعة عن مسار دولة الأمة في العراق ( 1 )

الثانية والثالثة 2020/07/06
...

ابراهيم العبادي
 

ظلّت العلاقة ملتبسة  بين الشيعة والدولة في العراق، مشحونة باسئلة الحقوق والرؤية والنظرية والقدرة والكفاءة والاستعداد، فقد ترسخ في الثقافة السياسية ان الشيعة كانوا الاكثر مغبونية- وهم الاكثرية السكانية في البلاد - وان ثورة العشرين التي قادوها واصبحت ثورة وطنية لم تنجدهم في ان يكونوا من صناع السياسات والقرارات والتوجهات في الدولة التي أنشئت لاحقا بعد اقل من عام (اذار 1921)، لقد صنع الشيعة ثورة بمبادئ وقيم دينية ووطنية وعشائرية لكنهم لم يكونوا صناع دولة وفق نظرياتهم ورؤاهم وهواجسهم والدروس التي استخلصوها من واقعهم في العراق العثماني واثناء الاحتلال البريطاني، لقد افتقدوا القدرة والزعامة والرؤية والحنكة على تصحيح علاقتهم المرتبكة بالسلطة والدولة ومن يصنعهما ويؤثر فيهما من قوى الخارج (بريطانيا) وقوى الداخل، فبسرعة ثبت انهم بلا مشروع ساعة اخفاقهم في الاتفاق على ترشيح الشيخ خزعل الكعبي (1863 - 1936) ليكون ملكا على العراق، وأرسلوا مندوبيهم الى الشريف حسين لاقناعه بترشيح احد انجاله ليقوم بمهمة الحكم وادارة السلطة في بلد متنوع الاقوام والمذاهب والملل والزعامات العشائرية والدينية والقومية المتنافسة . لقد عرف الانگليز - مؤسسو الدولة - كيف يديرون لعبة السلطة في الاتجاه الذي رسموه في مؤتمر القاهرة عام 1921، وانتهت الامور بالعراق الى سلطة ذات جوهر قومي بقيم طائفية تختفي وتظهر بمناسباتها السياسية والاجتماعية والمذهبية، فكان مسار الدولة غصة في حلوق الشيعة تناسلتها اجيالهم ورضة نفسية وصدمة سياسية لم يفيقوا منها، وترتب عليها دخول العراق الحديث بتقلبات وانقلابات واحزاب متصارعة وصراعات دامية  على السلطة والدولة، كانت تأخذ شكل مشاريع سياسية وايديولوجية لم يكن البعد الطائفي غائبا عنها، حتى ارهقت الدولة وبناها التحتية باستبداد ادخلها حروبا دموية دمرت مؤسساتها ومواردها  وافقرت المجتمع اقتصاديا ونفسيا وثقافيا وعلائقيا وانتهت الامور بسقوط الدولة باحتلال غربي جديد (اميركي) ومنظور 
تأسيسي جديد .
بين العراق البريطاني والعراق الاميركي اكثر من علاقة مشتركة، فكلا الاحتلالين مسؤول عن التأسيس الذي تلاه، وكلاهما بذر عيوبا وافكارا ومشاريع كان لها وقع مخرب على شكل الدولة وبناها، رغم النجاح النسبي في التأسيس الاول مقارنة بالتاسيس الثاني، الفرق الظاهري كان استبدال حاكمية السنة بحاكمية الشيعة لتصحيح الخلل المزمن  كما قيل، بيد ان ذلك  لم يأت بنتيجة ذات قيمة ايجابية للدولة والامة، فالعهدان لم يبنيا الامة ولم يؤسسا لدمجها دمجا جادا، وعاد الانقسام الاجتماعي والسياسي ليذكر بحقوق الطوائف والمكونات، واديرت الديمقراطية باحزاب طائفية واقلوية، واستعيض عن التعددية بالمحاصصة، والفضاء الوطني بحقوق المكونات، فعجزت الدولة عن ان تكون حاضنة للامة ومجسدة لها، وانقسمت الامة الى طوائف واعراق تسعى كل منها لتاكيد حقوقها ومصالحها وتمثيلها في السلطة، وعمق الارهاب والكيد السياسي والارتباط بالخارج من عدم الثقة، الى ان وصلت الدولة الى مرحلة العجز الشامل، غير قادرة على تحقيق انجاز، ولا طاقة بها على حل مشكلاتها دونما مساعدة من اهل النفوذ، صار الشيعة متهمين بانهم لم يثبتوا جدارة في الحكم ولا خبرة في ادارة الصراعات والازمات، ولا يمتلكون التأهيل لادارة مجتمعات متعددة ودولة معقدة، طبعا الشيعة  لا يريدون تحمل المسؤولية وحدهم عن مسار 17عاما من التأسيس الثاني، ويرفضون ان يتهموا بأنهم من ادار البلاد ادارة غير  ناجحة كما يقول خصومهم ومنافسوهم، اكثر من ذلك ان النقد الذاتي صار يحذر بان المسار الحالي ينحدر بسرعة الى نهاية مخيفة وعلى الشيعة ان ارادوا التصحيح ان يتصرفوا قبل 
فوات الاوان.  القوى الشيعية السياسية تدرك في قرارة نفسها انها امام لحظة اختبار عصيبة، وان الظرف المحلي والدولي، والعوامل الاقتصادية والامنية، والمزاج الشعبي، والعلاقة مع الشريك الوطني تنذر ببوارق وعواصف خطيرة، المشكلة اذن  في القرار الشيعي، فما لم يصحح المهيمنون على القرار السياسي الشيعي الرؤية، ويعيدوا تقدير الموقف بحكمة وعقلانية فان الامور سائرة لامحالة الى الاسوأ، وان الثورة الاجتماعية وانفجار الشارع تحت ضغط الفقر والحرمان والوباء والسلاح المنفلت والكراهية الشديدة للطبقة السياسية وانعدام الثقة بها، واستمرار الضغط الخارجي والتبني الداخلي - عبر مراكز القوى - للاستمرار بمنهج ثنائية الدولة -المقاومة ، كل ذلك يعد وصفة مثالية لتقويض السلطة ومن يهيمن على مقدراتها .