مسؤولية الشيعة عن مسار دولة الأمة في العراق - 3 -

الثانية والثالثة 2020/07/20
...

 
ابراهيم العبادي
 
يكاد يجمع العراقيون من مختلف المكونات والاتجاهات الحزبية والسياسية على ان الدولة في العراق تمر في اصعب مرحلة من تاريخها، وقد اخفقت الجهود المحلية والاقليمية والدولية حتى الآن في ان تخرج العراق من أزماته المتعددة وتضعه على طريق التعافي والنهوض، وقد اسهبت قراءات ودراسات كثيرة في عرض الاحتمالات، التي يمكن ان تصل اليها مخاضات الازمة، كما صار معلوما لدى غالبية العراقيين- وان لم يتفقوا عليها  - الاسباب التي انتجت (مرض الدولة العراقية)، لكن اختلافهم في تشخيص الاولويات جعلهم ينقسمون بشأن مشروع اعادة بناء الدولة، ويعجزون عن جمع  قواهم الاجتماعية والسياسية ليتخيلوا ويفترضوا انهم أمة تستحق ان تبني دولتها، فبقي من يؤمن بالأمة العراقية وبالوطن العراقي ويطمح الى مستقبل عراقي، يكدح نظريا وعمليا لتسويق هذا (المشروع)، ايمانا واضطرارا، اذا لا مفر امام العراقيين، الا ان يتفقوا على بناء الدولة لتقوم بوظائفها وخدمة امتها وتحقيق سيادة هذه الامة .قال بعض الدارسين إن عملية بناء الامة والدولة تحتاج الى هندسة سياسية، وتحتاج الى اباء مؤسسين، وقال البعض الاخر نحتاج الى كتلة تاريخية بالمفهوم (الغرامشي)، تؤمن بفكرة الامة -الدولة، وقد لاحظت من الردود والتعقيبات والملاحظات والاستفهامات، التي وردتني من فئات اكاديمية ومتخصصة ومتعلمة ومهتمة بالشأن السياسي، ان انقساما كبيرا يدور بين النخبة العراقية، وان القطيعة تتزايد بين حملة المعرفة العلمية وحملة المشاريع الايديولوجية، هناك انقسام حول مفهومي الوطن والامة، وبين الأحق بالولاء، العقيدة ام الوطن؟، وبات الانقسام يأخذ طابعا ايديولوجيا خطيرا بين مشروع ديني واخر علماني، هذا الانقسام عاد يتبدى هذه الايام بصيغة صراع محموم بنوايا مضمرة واخرى علنية، بين تيار اسلامي واخر علماني ليبرالي، اخذ طابع التنافس الشرس على مواقع القوة والنفوذ السياسي والاداري والاقتصادي داخل مؤسسات الدولة وهيئاتها، واصبح الضرب بين الجانبين على المكشوف، ويستخدم الطرفان كل ادوات العنف الرمزي والعنف المادي في احلك ظرف يمر به المجتمع والدولة. كنت قد كتبت عن مسؤولية الشيعة في انقاذ الدولة في هذه المرحلة، واشرت الى ان نسبتهم العددية وتسنمهم الصدارة في ادارة الدولة بعد تأسيسها الجديد في عام 2003، يحتمان عليهم وعي مسؤوليتهم التاريخية ، وان يتحولوا الى بناة دولة بعقلية رجال الدولة واحلام وافكار  الاباء المؤسسين، لكن هناك من فهم هذه الدعوة بشكل مغلوط،  واخرين حاولوا ان يغالطوا انفسهم مع علمهم بالمقاصد، فاعتبروا ان تخصيص الشيعة بالدعوة لانقاذ الدولة، ينم عن تحميلهم مسؤولية فشل المسار الجديد لوحدهم، واخراج غيرهم (السنة والكرد) من  هذه المسؤولية، وفي رأيهم فان العدالة تقتضي توزيع مسؤولية الفشل على الجميع، لتأتي دعوة الانقاذ منصفة وعادلة، حتى لا نساهم في دعوات النقد السلبي وممارسات جلد الذات التي باتت تأخذ بخناق الشيعة قبل غيرهم، ولست بصدد مناقشة هذه الفكرة والرد عليها، لكن ما يدعونني بالدرجة الاساس الى مخاطبة الشيعة لانقاذ المسار الذي تنحدر فيه الدولة، هو انقسامهم العميق بين تيارات لم تحسم موقفها من الدولة ومتطلبات بنائها، وكيف تتحقق المصلحة الاجتماعية في خضم عملية البناء هذه، فضلا عن سوء تقدير مخاطر الصراع الايديولوجي وتحويله الى صراع وجود بين فكرة مقدسة واخرى مدنسة على واقع المجتمع والدولة . للدولة اشتراطات لا بد من التقيد بها، فلا يمكن مزاحمة سلطات الدولة ومنافستها في سيادتها وقرارها وادارتها للمال العام والسياسة الخارجية والامن والدفاع، والسير بالدولة وفق منطقين، منطق الدولة ومنطق اللادولة لا يؤدي سوى الى الفشل، واذا كان ثمة صراع على وجهة الدولة ومرجعياتها السياسية والفكرية، فالمسؤولية تقع على عاتق الشيعة ذاتهم، فهم  الذين يأتون بالرئاسات الثلاث، ويتفاهمون مع غيرهم على مناصب الدولة وقوانينها وسياساتها، فاذا كانوا خائفين على وجهة الدولة بين مشروعين، الاول علماني ليبرالي تدعمه اميركا والغرب وحلفاؤهما في الداخل العراقي وفي المحيط الاقليمي، فليقاوموا هذا المشروع بعد ان يقنعوا جمهورهم بأحقية مشروعهم ونزاهته وكفاءته وقدرة  القائمين عليه، حتى لا تكون مقاومتهم نخبوية لا يدرك جوهرها الا الراسخون في العلم، واذا كانوا يتوفرون على مشروع لبناء الدولة فليشمروا عن ساعد الجد ويظهروا لجمهورهم كفاءة الاداء  بشروط الدولة نفسها، وبتوفير البيئة المحلية المواتية، وبالسعي لخلق الظروف  الاقليمية والدولية غير المعادية، فليس مناسبا ان تتحول يوميات العراق الى صراع متعدد الاشكال، صراع نفوذ ومواقع ومواقف وهويات ومشاريع ايديولوجية، والبلاد تنزف من كل جوانبها، ماليا واقتصاديا وسياسيا وامنيا ويتراجع كل شيء متعلق بمعاش الناس،  فيزداد الغضب والعنف وتلوح نذر المواجهة اليومية وتستمر الدولة في الدوران ضمن حلقة الضعف والهشاشة والرثاثة السياسية والادارية والاخلاقية، فالأصل ان تكون الدولة  في خدمة الامة، لا ان تتحول الدولة الى عبء على الامة لان هناك من يريد توجيه امكانات الدولة- الامة في مشاريع صراع لاتنتهي، ويستمر الاجتماع السياسي الشيعي يدور في حلبة اجيال تتنافس على السلطة والثروة والمواقع مع الاخر وفي ما بينهم وفي كل مراحل هذا الصراع يتيه الجمهور بين تشدد واعتدال ايديولوجي .