أمتع ما نقرأه عن الشعوب ما يُكتب عن شخصيتها، وعن شخصية الشعب المصري هناك محاولات عديدة ارتبطت بنظريات ورموز، من بينها كتاب: «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، ليس هو أهمّا، لكن من المؤكد أنه اكتسب شهرة، للغته السهلة وعرضه السلس وإثاراته، حيث جاءت كلّ فكرة معززّة بأمثلة على طريقة رياديّنا الراحل علي الوردي (ت: 1995م) في تناوله للشخصية وللمجتمع العراقيين، من دون أن ننسى بالتأكيد «آلة» الدعاية المصرية وقدرتها المشهودة في تضخيم الإنجازات الثقافية والمعرفية للمصريين، والنفخ فيها لتكتسب أضعاف حجمها الطبيعي، وذلك كأثر ونتيجة للشخصية المصرية نفسها، التي تُصنّف بأنها شخصية تبجيلية، في مقابل الشخصية العراقية التي تُصنّف بأنها شخصية تبخيسية، ليس فقط لأنها تخفض من حظوظ ومنجزات من ينتمي إليها، بل لأنها بارعة في الحطّ من نفسها!
يذكر ميلاد حنا مؤلف الكتاب أن فكرته انبثقت من حوار له مع صديق ألماني، ملخصها أن كلّ مصري مهما تكن درجة علمه وثقافته، من أستاذ الجامعة إلى الفلاح البسيط الذي لا يقرأ ولا يكتب، متأثر بالزمان والمكان. فالمصري أخذ من التاريخ أربعة أعمدة، هي الفرعوني، واليوناني الروماني، والقبطيّ، والإسلامي. هذه انتماءات الشخصية المصرية من التاريخ.
ومن الجغرافية أو المكان فقد أخذت ثلاثة أعمدة، هي العربية بحكم انتماء مصر إلى العالم العربي، والمتوسطية نسبةً إلى البحر المتوسط، والأفريقية نسبةً إلى قارة أفريقيا، لتكون الحصيلة سبعة أعمدة، أربعة من التاريخ وثلاثة من الجغرافية والمكان.
وجود هذه الأعمدة السبعة كحامل للشخصية المصرية لا يعني أنها متساوية الوجود داخل كلّ مصري، بل هي تتفاوت، فحضور الأعمدة الدينية أضخم وأكبر، يختلف بين شخصية وأخرى، وبين زمن أو عصر وعصر آخر. ومع أن انتماء المصريين لهذه الأعمدة يكسب الشخصية المصرية بمجملها تركيبة نفسية موحّدة أو عامة، إلا أنَّ ذلك لا يعني بتاتاً أن المصريين يتساوون جميعاً في قوالب ثابتة، وأنهم أنماط متكرّرة لبعضهم، وإنما يعني تقارب المزاج ووحدة خصائصه العامة.
من الوجهة العلمية لا تعبّر هذه الرؤية عن نظرية علمية، بل هي فرضية عامة وغاية في السطحيَّة، فضلاً عن أنها لا تقدّم تفسيراً للشخصية يستند إلى خصوصية علمية، فالعراقي والشامي والحجازي واليمني، كلهم توالت عليه الأزمنة الحضارية، والمتوسطية ليست خاصية في بناء الشخصية، وهي مشتركة بين أكثر من عشرين بلداً آسيوياً وأفريقياً وأوربياً، والأفريقية مثلها هي ليست من مختصات مصر، بل هناك أكثر من ثلاثين بلداً في أفريقيا، والإسلام هو الآخر خاصية مشتركة لأكثر من خمسين بلداً في العالم، ومثله المسيحية، لكن ما يُعجبني هو الإصرار المصري على صناعة الهوية الخاصة، والمسعى المثابر الجادّ من أهل المعرفة والعلوم والفنون للتخندق داخل بوتقة واحدة، هي الشخصية الوطنيَّة!