هادي ماهود: لا أريدُ أن أكّون خارج جنون السينما

الصفحة الاخيرة 2019/01/29
...

  بغداد/ سينما
حينما عجز المخرج السينمائي هادي ماهود، يوما عن تمويل أحد أفلامه، اذ خذله الجميع؛ بدءا من المؤسسات المعنية وانتهاءً بالقطاع الخاص، حمل موبايله و" آيباده " لينجز فيلما وثائقيا طويلا بميزانية صفر، بعنوان "سوق سفوان" فاز عنه بالجائزة الأولى لمهرجان الأفلام الوثائقية في لندن، فرفع اسم العراق عاليا في محفل ثقافي عالمي، بالمقابل انتجت عشرات الأفلام الفاشلة، ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013، تجاوزت ميزانيتها المليار دينار عراقي، ولم يشاهدها أحد.  
  الـ "الصباح" التقت صاحب " ليالي هبوط الغجر" الذي مازال يحمل كاميرته صليبا ويعاني من شحة تمويل أفلامه، وسألته عن اخر أعماله، فأجاب:  "انتهيت تماما من رسم مشروعي السينمائي الجديد" بائع القلق"، بدءا من كتابة القصة وانتهاءً بإكمال السيناريو " لكنه لا يخفي قلقا مغلفا بأسى من مرحلة التمويل، التي غالبا ما تواجه المخرج السينمائي العراقي، فلا رأسمال وطني معتبر، ولا شركات انتاج تستثمر، ولا حتى مؤسسات حكومية داعمة، فلصاحب "الرحلة" تجارب محبطة في تمويل أفلامه، يفصلها بالقول: " بعد اكمالي المشروع، كتبت لجهات عديدة لم احصل منها سوى على بعض وعود وآمال،  اتمنى ان لا يطاح بها كما حصل لفيلمي" في أقاصي الجنوب"، اذ تم استبعاده  ظلماً من أفلام بغداد عاصمة الثقافة العربية، ليس لضعف فيه، بل لأني لم أدخل اللعبة التي لا تمت للسينما، التي اعرفها".
وبغضب يتحدث الفائز بجائزة الأولى في مهرجان للأفلام والوثائقيات، عن فيلم “سوق سفوان الذي نظمته الـ "بي بي سي" في لندن، عن تلك اللعبة " التي أوصلت الكثير من الأفلام الى التنفيذ وحققت ثراءً مادياً لمن اخرجها، لكن المأساة ظهور هذه الأفلام   بمستوى مخجل، فهي لم تعرض سوى مرة واحدة، فأثارت فيه غضب النقاد والجمهور، وقد اعترف لي بعض القيمين على مشروع" بغداد عاصمة الثقافة 2013 انهم ارتكبوا خطأ فادحاً بعدم انتاج فيلمي الذي كان بإمكانه أن يغطي على الكثير من الأفلام الفاشلة التي أنتجها مشروعهم."                                                                                
 يفتقد صناع السينما في بلادنا الى آليات دعمها، فمن وجهة نظر ماهود ان " الدولة غير مهتمة بهذا الجانب ولا القطاع الخاص، الذي تعامل بجبن مع السينما كصناعة وإنتاج، بعد ان غادر اليهود العراق واغلقت ستوديوهاتهم لتدخل الدولة كمنتج أوحد سخرت السينما لتصدير أيديولوجيات الاحزاب الحاكمة وتمجيد الديكتاتور".
 ويتابع مخرج فيلم "العراق موطني": " بعد سقوط نظام صدام في العام 2003، استمرت  المؤسسة الرسمية بنهج ذات الاليات السابقة، ما جعل السينما تراوح في مكانها، لتحول السينمائيون المستقلون الى متسولين، من اجل الحصول على مكرمات فخامة الرئيس او دولة رئيس الوزراء، وبلا أدني جدوى وهذا ما حصل على مدى الحكومات التي تعاقبت منذ العام 2003، واحتفظ بأرشيف من المعاناة في هذا الجانب،  فنحن السينمائيون حينما   نطالب الحكومة ونضغط عليها،  فلأنها أمينة صندوق البلد الذي ينبغي أن يكون للثقافة  نصيب فيه،  شرط عدم وضع رعاية لاشتراطات التطبيل لهذا الطرف فيها أو ذاك" من المعروف ان الإنتاج الثقافي وبالأخص السينما، هو مسؤولية جماعية وطنية، يمكنها المساهمة كشركات الاستثمار والقطاع الخاص بدعمها، من خلال اشاعة ثقافة الرعاية، ومساندتها من قبل الدولة بالإعفاء الضريبي لقيمة الدعم، الذي تقدمه الشركات لصانع الفيلم، وهذا النظام معمول به في معظم دول العالم، الى حد ان الشركات الراعية تتزاحم على ادراج اسمها في " تايتلات" نهاية الافلام .                                             
 وابدى مخرج "تراتيل سومرية" تفاؤله بوجود وزير مثقف على شاكلة د .عبد الامير الحمداني، فهو يرى : ان  "   وجود وزير مستقل ومهني كالحمداني متزامنا مع حراك جدي من قبل  نقابة الفنانين العراقيين، يؤدي حتما الى تغيير يفضي الى انتعاش المرافق الثقافية عموما والسينما خصوصا،  لكن الانتظار الطويل قد يهشم علاقتي بمشروعي ويضاعف حالة الاحباط التي لازمتني منذ عودتي للعراق بعد سقوط النظام، ولا أخفي أن ثمة قرار ينمو في داخلي أن أحرق أفلامي وكل الجوائز التي حصدتها  احتجاجا على ان أكون  خارج جنون السينما الذي لازمني طوال عمري وأن أبحث لي عن مهنة أخرى.                                                                                                                                
واضح مخرج "العربانة" انه أنجز العديد من الافلام القصيرة والوثائقية، التي حصل معظمها على جوائز، لكنه يضع كل منجزه في كفة وإنجاز فيلم طويل في كفة أخرى، وهذا ما دفعه الى ترك استراليا للمرة الثانية والعودة للوطن، املا بتحقيق هذا الحلم، وبدلا من تفرغه للعمل بكل حواسه لبنائه تحول، بحسب توصيفه الى متسول لتدبير تمويل لأفلامه، وبأسى يؤكد مخرج "بائع الطيور"  على انه: " غالبا ما أكتب للحكومة والبرلمان واطرق أبواب القطاع الخاص، فلا احصل على شيء، تمنى   صاحب "السندباد" على الحكومة و اللجنة الثقافة البرلمانية، ان تدعم  دعماً لتفعيل مشاريعنا "        
  وسألناه عن عمله الجديد، فقال: "هو ببساطة فيلم روائي طويل، يجمع بين متطلبات العمل الذي يحترم الجمهور ولا يتعالى عليه من دون التنازل عن ثوابتي الملتزمة ورؤيتي السينمائية، الفيلم مقتبس عن مسرحية لنصيف فلك، ورشحت لبطولته الفنانين حسين نعمة وهناء محمد."