السينما تُجدِّدُ نفسها

الصفحة الاخيرة 2019/02/05
...

علي حمود الحسن
سألني صديقٌ عن الفرق بين الأفلام التي نشاهدها في السينما، وتلك التي نراها في التلفزيون، مردداً ذات السؤال الذي كان يخيفُ جمهور السينما وصنَّاعها، في خمسينيات القرن الماضي، حينما دخل التلفزيون الى البيوت في كل أنحاء المعمورة، مستحوذاً على اهتمام المشاهدين، وأقصدُ به: هل تموتُ السينما؟، فأجبته: السينما لا تموت، لأنَّ لها القدرة على تطوير وتجديد نفسها باستمرار، فظلت الفن الأكثر تفرداً وجذباً للمشاهدين، على مدار أكثر من سبعين عاماً، على الرغم من هيمنة الفضائيات وتلاشي الفروق بين تقنيات هذين الوسيطين، فضلاً عن الثورة الرقميَّة الهائلة وتعدد شاشات المشاهدة.
 ثمة اختلافٌ واضحٌ بين السينما والتلفزيون؛ فالأولى نذهبُ إليها، ونشاهدُ أفلامها في صالة مظلمة، والثاني يأتي إلينا في بيوتنا نشاهدُ ما يُعرضُ في أي وقت وتحت أي ظرف، في النور وليس العتمة؛ الفيلم السينمائي يُصورُ بكاميرات ذات دقَّة عالية، لنحصل على حجم عرض كبير، فيما كاميرا التلفزيون ذات دقة أقل، فهي لا تحتاج الى شاشة كبيرة، السينما تعتمدُ اللقطات المتوسطة والعامَّة، التي نرى فيها الشخصيات وجزءاً من المكان، وغالباً ما يكون حوار الشخصيات مختزلاً وليس مطولاً، فيما لا نرى ذلك في التلفزيون؛ إذ الغالب فيه اللقطات القريبة والقريبة جداً، وذلك لضيق حيز العرض، وربما هذا يفسر ميل السينمائيين الى التصوير في المواقع الخارجيَّة، على العكس من التلفزيون، أما السردُ فهو يميل الى تعدد الخطوط والتطويل في الشاشة الصغيرة، لكنه محبوكٌ وموجَّهٌ وإنْ تعددت خطوطه في السينما، ولأنَّ هذين الوسيطين يعتمدان على التقنيات التي أضحى تطورها، بفعل الثورة الرقميَّة على شكل طفرات لا يمكن اللحاق بها، حتى تلاشت الفروق بينهما أو كادتْ، ليس هذا وحسب، بل تحول التلفزيون الى منتجٍ ومساهمٍ رئيسٍ في صناعة الأفلام، وليس مستهلكاً لها، وتهافتت شركات إنتاجيَّة ضخمة على إنتاج أفلامها الخاصَّة وعرضها في المهرجانات السينمائيَّة الكبرى، التي لم تكنْ تستقبلها، على شاكلة شركتي "نيتفليكس وأمازون" اللتين استثمرتا أموالهما في هوليوود، لإنتاج أفلامٍ- وهي سابقة- تعرض من خلال الشبكات التلفزيونيَّة التي تملكها، ومن أبرز الأفلام التي أنتجتها شركة نيتفليكس في العام 2018: "روما" للمخرج ألفونسو كواران، و"صندوق الطير" للدنماركية سوزان بيير، وفيلم "ليلة الاثني عشر عاماً" للمخرج البرازيلي ألفارو بريخنر.
والمفارقة إنَّ مهرجان "كان 2018" شهدَ أزمة حقيقيَّة، بعد إعلان مديره رفض مشاركة نتاج الشركات، التي لا تُعرض أفلامها في صالات السينما، ما اضطر شركة نيتفليكس الى سحب تحفة كواران "روما" من المهرجان، وبذا خسر "كان" فيلماً ناجحاً حصل على تقييم نقدي متقدم، وهو اليوم مرشحٌ ساخنٌ لجائزة أفضل فيلم أجنبي في "أوسكار 2019".