في عام 1965 وبعد انفصال سـنغافورة عـن ماليزيـا نجحت هذه الدولة فـي تحويـل بلـدها من دولة لاتملك أي شيء على المستوى الاقتصادي الى دولة قوية بفضل السياسات الناجحة التي جعلت من هذا البلد من أبرز البلدان الاقتصادية، أدرك قـادة سـنغافورة وعلى رأسهم (لي كوان يو) أن التنميـة فـي الجانـب الاجتمـاعي هي مكملة للتنمية في الجانب الاقتصادي لكونه العنصر الأسـاس الـذي تعتمـد عليـه عمليـة التنمية والمرتكز الاساسي الذي يدعم تفـوق الـدول علـى المـستويين الإقليمـي والعـالمي، وهـذا التمـازج الفعـال جعـل من تجربـة سـنغافورة التنمويـة مثـالاً يحتـذى بـه فـي كيفيـة بنـاء الدولة فاعتمدت كثيراً على جذب الاستثمارات، وكما اعتمدت على نقل تجارب الدول المتقدمة لتنعكس على سنغافورة بالصورة الأمثل.
كثيرة هي تجارب الدول التي راهنت كثيراً واعتمدت على عقول أبنائها لبناء دولهم، فتجربة لوكسمبورغ هذه الدولة التي كانت تقبع كثيراً تحت الاحتلال الفرنسي والألماني ها هي اليوم تعد من الدول المتقدمة في المجالات العلمية والصناعية، وهي تعد من الدول المتقدمة باقتصاد متطور ومستوى ناتج محلي إجمالي يعد من الأعلى في العالم ونسبة بطالة قليلة جداً.
نيجيريا التي تعد النقيض عن التجربتين السابقتين فهي تعد الأولى في إنتاج النفط بالنسبة لافريقيا، كما تحتوي على أكبر رواسب الفحم والنفط والغاز، ورغم كل هذا فإن ثلثي سكان نيجيريا تحت خط الفقر رغم امتلاكها كل هذه الثروات، فالفساد المستشري فيها وصل أشدهُ فهي تحتل المرتبة 121 من أصل 180 دولة في الفساد.
حين تبدأ الشعوب بنفض غبار ماضيها والبدء بتغييرات بنيوية لتصحيح مسارها والشروع ببناء مجتمع صالح قائم على التسامح وحب الآخر وعدم التدخل بشؤون الغير نستطيع أن نسمي هذا الشعب بأنه شعب حي يستحق الحياة. العراق يعد من المصدرين للكفاءات والعقول فأبناؤه موزعون على الدول بمشارق الأرض ومغاربها بمختلف المجالات، فهم مبدعون بمختلف الاختصاصات في الدول التي يقطنونها؛ ويرجع ذلك لوجود بيئة سليمة للإبداع بعيدة عن التحزب والعشائرية والمذهبية والدينية.
فالتجارب الدولية التي مرت على الشعوب تحتم علينا أن نتعلم من هذه التجارب، وأن نستفيد قدر الإمكان منها، وأن نعتمد على مافوق الأرض لا على باطنها، فالعمل على انتاج العقول يعد من أفضل الأعمال التي تؤدي مبتغاها؛ لأنها بذلك ستبني شعوباً قادرة على بناء الدولة أفراداً وجماعات.