ليس ميلاً عن ولا استياء من ولا زهواً على ما نمرُّ به فلا نلتفت ولا نهتمُّ، لكن للإنسان غاية يريدها وحاجة يقصدها ويخشى افتقادها أو التأخّر عنها. وهي هنا القنطرة الخطرة، تكون سلاما إن اجتزناها بسلام ووصلنا إلى ما نريد ونقصد. عدا هذا ربما خسرنا ما فاتنا فنظلُّ نأسف عليه. الحذر واحد من شروط العيش.
ثم أنّنا نعيش في عالم لا نعرفه وهذا العالم لا يعرفنا. غرباء نسير ونعيش ما بين بحره وانهاره وصخوره، هي لا تعلم أنا هنا ونحن نمر غير دارين بها أو غير معنيين بها إلّا أنّها في طريقنا ونحن نجتاز مسرعين أو نلهو مقتنصين فرحاً سمحت به فرصة أو التفاتة أو تهيّأ لها ظرف قرّبها منا، لكن لا خوف من هذه الأنجم البعيدة التي تطلُّ علينا منذ سنين ونرى ضوءها من بعيد، هي تائهة في الكون نحن نحاول أن نجد ما ينتسب لنا حين نتحدث عنها وان يكون لنا في الكون الكبير مستقر.
اما ما كان أليفاً داجنا، فمن يدري ربما ظننا سحرة أو أنّنا أشرار بيدهم مجيء أو إرجاء الكوارث، فتجمعات من الأحياء قد تدمرها خطوة لا مبالية أو عابثة منا ونحن في هوسنا اليومي، ومن حديدنا أو نارنا يعتم إحساسنا فلا نرى ولا نعلم ما نفعل بحيوات عديدة لا مرئية وبلا رحمة، ونحن أيضاً نحتاج في ساعات إلى من يرحمنا ويعيننا على ما نحن فيه!
الأرض أمنا آذيناها.
اسأنا كثيراً لها، هو ذاك السلوك حين نقسو على من لا يرضينا. نريد أن نعيش، فلندع الحياة حولنا وندع الأرض سالمة معافاة صالحة للعيش، لا أن نعدم الحياة لنبقى. أنا أعرف أنّ النصح قديم وان المواعظ لا تجدي ولكننا نريد أن نقول طيبا نافعا ما دمنا لا نكف عن أن نفعل سيئاً مؤذياً. لا بالحياة والطبيعة حسب ولكن بناسنا في العمل، في الشارع، في عدم الاهتمام بالساعين مثلنا ليعيشوا ويحظوا بما يمحنهم فرحاً أو رضا. لو انتبهنا، لو كانت لنا نظرة كاشفة، لرأينا انواعاً من القتل لا تحصى، قتل حيوان وقتل نبات وقتل إنسان، قتل فرح، رغبة، مسعى. الرصاصة تقتل والازاحة تقتل ومنع الماء يقتل والاستيلاء على المؤونة يقتل.. الايذاء الوحشي، اللامبالاة، جهلاً أو عتوا، لا يتوقف. هو يزداد! الطبيعة تُمَزق احشاؤها والحيوات تكتسح بوحشية يبدو الوباء بازائها لطيفاً، والإنسان أخر عمره يغادر الأرض موجوعا، مستاءً أسفه واضح عليه.
مشكلتنا اننا نرى ما هو تراجيدي ضروريا لحياتنا، وما ندمره سبباً لسعادتنا وعمراننا وحرق الغابة يجعلنا قريبين من الساحل والبحر وفي القضاء على الاعداء، وصول إلى هنائنا وترفنا، وفي القضاء على ملايين الحيوات والاعشاب، وما لا ندريه من خلق خفي في التراب وفي الماء والشجر، نرى في هذا توفير اجواء صافية لنا فلا ازعاج ولا أذى.
الإنسان تعملق وتوحش، أو تفوق، فما عاد يريد العيش طبيعيا في الطبيعة وأرضيا على الأرض. وحتى أنا، لو سألتني، لارتضيت الدمار الجميل واللامبالاة، التي يقال، تسبب الرفاه ... صعبةً العودة بعدُ، فكيف الحل، او كيف نبقي الحياة جميلة ونبقى؟ يبدو أننا نتحدث في مدى الأمنية وما يفترض ان يكون عليه الشخص أو الذات.
كل ذات انسانية تتسع لتكوّن مجموعة، وهذه تتسع لتكون شركة أو مجتمع، والمجتمع الصغير يتسع ليكون الأمة أو الدولة كلها تقتل، تزيح، تضر، لتحقق لنفسها الاكتفاء، الضمان. وهذان يعنيان من بعد الاستحواذ والهيمنة .. للشجرة جذرها الخاص وهي تمتص السماد حولها وقد تتمدد الجذور الكبيرة على سواها فتخنق وتقتل! أي نتيجة فاجعة لهذا الكلام، القتل حاجة؟ وحاجة حياة؟ كم كريه غير مرغوب فيه هذا.
لكنه المنطق الذي يحكم العالم والأشياء. بقي لنا ملاذ اخير، الحكمة. الحكمة لنهدأ قليلا، لنقلل الضرر والتلف بسوانا وبالحياة. فهذه الحياة، هذه الأرض وما فيها مما نتلف وندمر ولا نبالي به، هي التربة التي ستضم رفاتنا: لكن، اسف أخر، سنكون نحن بعضناً مما لا يُبالى به! ولكن ولكن، كم هو الحيف حاد يشعرني بوجع غامض وخسارة. لن تنكر الحياة علينا محبتنا لبعض ما فيها، إنسانا حقلا، سهلا تتمشى عليه الشمس ونهرا نحن إليه. يشعلنا الحب احياناً، نحن الذين نمر في هذه الحياة، وتقسو علينا لا مبالاة من نحب وبرودته الثلجية، فمشاعرنا ليس لها من يستقبلها، من يستجيب، من يحس بأن ناسا من بين الكثيرين يمنحوننا حباً ويختفون. للأرض العذر في اللامبالاة في اللا انتباه فعلى الأرض خلق كثير لكن لا عذر لنا ان نمر بما يستحق المحبة والتقديس وتشغلنا صغائر عنه. ماذا اريد ان اقول؟ احاجج نفسي وانصفها، انصفها قليلاً وادينها. وثمة حقيقة كبيرة وابدية توجزها لنا عبارة ببضع كلمات: هي: نجهل الحياة وتجهلنا! والمشاعر بعضُ ما نسفحه في الطريق.