نجم الشيخ داغر
كثيرا ما سمعت من يقول لماذا نحن بالرغم من كل اموالنا وثرواتنا وخيراتنا التي لها اول وليس لها آخر، نحيا بهذه الحال الهزيلة الخالية من اي رفاهية، طبعا باستثناء بعض المنتفعين من ظروف خاصة او النادرين الذين كونوا ثرواتهم بجدهم واجتهادهم.
فها هي دول أوروبا او لنقل اغلبها على سبيل المثال تعيش بنعيم ليس له مثيل في ارجاء العالم، اذ بات الفقر حديثا قديما فيها، بل الغريب ان بعض شبابها ينتحرون هروبا من الملل بعد ان اتخموا من تجربة مختلف اللذائذ.
المدهش بما يخص هذه الدول ان حتى طبيعتهم وظروفهم المناخية تساعد على ازدهار الزراعة وتربية الحيوانات، فما هو السر الكامن وراء ذلك؟ هل ان الله راض عنهم وغاضب علينا كما يسأل الكثير من المسلمين؟، ام ان هنالك تفسيرا علميا ودينيا لذلك؟
بعد تفكير طويل وبحث في طيات الكتب، اهتديت الى الجواب ووجدته في رواية مباركة للامام الصادق (ع) يقول فيها (ما أوسع العدل، ان الناس تستغني اذا عدل بينهم، وتنزل السماء رزقها وتخرج الارض بركاتها باذن الله) تهذيب الأحكام - ج ٤ - ص 136 .
إذاً القضية تكمن في تنصيب أسس العدل وأثره الوضعي في هذه الدنيا، اذ ما من عمل خير إلا وتنعكس آثاره في هذا العالم، وهذا ليس بدعا او رأيا او اجتهادا منا، بل هي حقيقة يؤسس لها القرآن الكريم كما في قوله تعالى في سورة نوح (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).
وهذا ما يقوله العلم الحديث ايضا وفقا لصحيفة البيان الاماراتية التي ذكرت في احد اعدادها (أثبتت دراسة ألمانية حديثة أن فعل الخير يغمر نفس الفاعل بالسعادة والرضا.. بل يمكن أن ترتبط بطول عمره)، اي ان هناك اثرا طاقويا ايجابيا لكل فعل خير قد ينعكس على العالم ويترجم على الشكل الذي بينه القرآن او الدراسة الالمانية.
من هنا نتوصل الى اجابة السؤال الذي قض مضاجع الكثير من المسلمين كما ذكرنا في اول المقال، فيكون الجواب ان القضية لا تتعلق بالرضا والغضب وانما في القوانين التي انشأ الله الكون وفقها، وملخصها ان كل عمل خير تنعكس اثاره الايجابية على المجتمع بل الطبيعة بشكل عام، والعكس صحيح وهو ما نعاني منه حتى في مناخنا المتقلب مثل قلوبنا ومجتمعاتنا.
اذن وبالعودة الى حديث الامام الصادق (ما اوسع العدل، ان الناس تستغني اذا عدل بينهم ..) نفهم كيف ان دولة صغيرة مثل هولندا على سبيل المثال تعتاش على زراعة الورود وبيع الاجبان وبعض المنتجات الصغيرة الاخرى، تتمتع بمستوى معيشي مزدهر، جعلها تقف في مصاف اكثر دول العالم بالنسبة للدخل الشهري للفرد؟، ولماذا نعاني نحن من مختلف المشكلات والازمات المادية والصحية والاجتماعية .