الرّواية الناجحة وعلامات التدوين

ثقافة 2019/02/17
...

علي لفته سعيد
 
 
يعيش الكاتب هواجس عديدة في كيفية أن تكون روايته ناجحة.. رغم إن كلمة ناجحة نسبيةً الى حدّ كبيرٍ بالنسبة للمتلقّي سواء كان قارئا أو ناقدا.. لان الامر بالنسبة لي على الاقل ادرك تماما ان المتلقّي يتلقّى الرواية بطريقته هو وبحسب ثقافته او مرجعياته، لذا تكون الكتابة ناجحة او غير ناجحة تبعا لهذه المرجعيات .ولكن النجاح بالنسبة للكاتب تعود لمدى معرفته بما تحتويه الرواية من مستويات النجاح، وأن تكون قريبةً أولا لنجاحه الذاتي من انه راضٍ عما كتب وما دوّن وما تفنّن في التدوين.
ان الأمر يبدأ أولا بالبحث عن فكرة .. ومن ثم معالجة هذه الفكرة فنيا.. لان لا معنى للكتابة الروائية ان تحتا على حكاية مفرّغة من فكرة خالصة.. فالحكايات مرمية في الطرقات او انها متناثرة في الدواوين واللقاءات العائلية او الاجتماعية إن صحّ قول هذا في مقاربة مع النفري.. لذا فان المهم بالنسبة لي لكي تكون الرواية عندي ناجحة هي ان تحتوي على عدة امتيازات عليّ اتّباعها.. فما بين الحكاية والسرد مسافة الفن.. وما بين السرد والفن مسافة التفرّد.. وما بين التفرّد والانتاج مسافة الإقناع .. وما بين الاقناع والقبول بالتفرد مسافة التدوين. ولهذا فإني انتبهت الى ان الاغلب من الكتابات النقدية تهتم بالحكاية التي يوردها الروائي في روايته دون ان تكون عند هذه الكتابات اهتمام لماهية الفن من خلال التفرد في التدوين، او على الأقل ان يكون التدوين قائدا للحكاية التي تعد هي العمود الفقري للرواية، ولكن الجسد الكلي هو عملية التدوين وتحويلها من حكايةٍ الى سردٍ ملهمٍ لخواصه وحيثياته لذا فان ما يهمّني كمنتج روايةٍ أو مدوّنها هي تحتوي أو تضم أو تنتهج أو تتّخذ:
1 - ان تكون الفكرة غير مستهلكة إذا ما كانت مأخوذة من الحياة والمجتمع الذي أتقاسم معه يومياته كموضوعة الحرب مثلا او الاحتلال.. وعليه اختيار زاويةً  أخرى لمثل هكذا حكايات.
2 - ان تكون الروايَّة حاملةً لعنصر الفن من خلال اختيار طريقة الروي التي يمكن لها أن تأخذ بيد الحكاية لتكون سردا مقبولا للمتلقّي.3 - أن تحتوي على أكبر كميةٍ من التشويق الدال على الصنعة الفنية التي تضمها الرواية في عملية جعلها أقرب الى الفن.
4 - أن تكون الصنعة قائدةً الى مهارة التدوين من خلال التبادل المكاني للأحداث بحسب عملية التقطيع الزمني.. أي الاخلال بوحدة الأمكنة والأزمة..لأن التصاعد الكلاسيكي للحدث لم يعد مرغوبا أو إنه سيكون أسير الحكاية أكثر منه قريبا من السرد.
5 - أن يكون الصراع  يصل الى مستوياتٍ مهمةٍ من عملية التشويق الذي ينتهجه التدوين.. وهو ما يعني التداخل السيناريوي في عملية المهارة التدوينية. 6 - الأهم الكلي أن تكون اللغة حاملةً لأدوات الحكاية من جهة، وصاعدة بأفق التدوين من جهةٍ أخرى، ليكون المتن السردي معادلا موضوعيا لتركيب المقاطع وإعطاء دفقا شعريا للجملة السردية، وعدم الركون الى اللغة البسيطة أو اللغة المصطنعة الصعبة.. فهناك فرق بين المتن السردي والمتن الشعري، وهي نقطةٌ فاصلةٌ يمكن للروائي أن ينجح في خلق حالة ترابطٍ ما بين الحكاية والسرد، أو تقع روايته في مطبّ اللغة الصعبة فتضيع عليه الحكاية مثلما يضيع عليه السرد.
7 - أن يكون العنوان ملائما وخاليا من التراكيب المصطنعة التي لا تلد معنى التأويل الصحيح.. لذا فالعنوان أعدّه من أصعب المراحل الكتابية على المستوى الشخصي، خاصة وإن النجاح يبدأ من هنا.. من اختيار العنوان.