الايقاع الشعري والمعنى الحديث في «أَين أمي} للشاعر مروان مخول

ثقافة 2019/03/09
...

ضحى عبدالرؤوف المل
 
 
ترتبط لغة الايقاع الشعري ارتباطا وثيقا بالمعنى الحديث لما نسميه اليوم الدراما الشعرية المنتظمة جماليا مع البلاغة والمفهوم،   وقدرتهما على تحويل الصورة الشعرية الى عالم من كلمات في قصيدة  تؤكد على سحر اللغة الشعرية في ديوان " أين أمي"  للشاعر مروان مخول  الصادر عن  دار الساقي  المتسم باعتدال القوافي ومسعاها الرمزي المهتم بالاتزان  المتسع للاصوات الداخلية "حين تتصاعد نبرة القصيدة حتى الصراخ يكون الدافع حراكا فيك" مستنكرا مخول الوطن الذي يسكنه في دولتين وداخل قصيدة غزلها لايقاظ الضمائر، وتعمّد اضفاء رومانسية متحديا الذات بموضوعية ضرورية هي تجديد لروحية الالهام الشعري في قصيدة يتذمر فيها من التكنولوجيا والحدود،  والغزو البدائي " ولا حياد على الجياد" . اذ يظهر تأثر العميق في قصيدة "إله الثورة"  التي يبقيها حرة المعنى غير مقيدة بالنمط الشعري الكلاسيكي وانعكاس اللغة الشعرية على الفكر الذي يؤدي الى خلق دراما عصره " كأن لا كرامة فيها، وكأنني من دورانها حي وداخ"  فهل من وعي شعري في قصيدة ممزوجة بالهموم السياسية،  وبرومانسية اجاد بثها استثنائية شاعرية لواقع لا مفر منه ؟ 
يعتمد الشاعر مروان مخول على التبادل الصوتي بين الايقاع والمعنى،  ليخلق قاعدة شعرية خاصة به تسهم في توليد المعنى الموسيقي للكلمات وللاستعارات،  والمقارنات  المجازية الموجهة لخيال المتلقي،  بنظرة حساسة لمعايير  هي جوانب الحياة المخفية التي يحاول تعديلها  بتحويلها الى قصيدة  ترسم عالم الواقع واحاسيسه،  المستنكرة للانتهاكات المهيمنة على تفاصيل التاريخ والماضي والحاضر . 
اذ يكرس القصيدة كلغة لترسيخ الانعطافات المؤدية الى احكام هي سلوك بشري بعيداًعن الإنسانية،  وعن كل ما يؤدي الى التمرد  والتشدق،  والصخب الوجودي محاولا فتح النوافذ المعرفية.  
ليحظى بمواجهة العقلاء عبر محاكاة "حيث الضباب يكشر عن أنياب المكان عيناي نافذة على ثرواتنا المسروقة على ضفتي النهر في لندن تدغدغ اسفي على الماضي وعلى الشرق الغارق في النوم ." فالتسربل الثوري في قصيدة اله الثورة هو في قصيدة سعدي يوسف هدوء ما قبل العاصفة  التي تدفع القارئ نحو التأمل الدرامي المتناغم في المعاني حيث "في الشرق، لاشيء حتى الآن سوى أن على الشين في الشرق ثلاث رصاصات قاتلات"  فهو يهرب من سياق درامي الى سياق شعري يربط بينهما قوة الحدث العالق في ذاكرة هي ماضي البشرية والانسانية،  وكل الشرور والمنغصات التي يصورها مجازيا من خلالها قصيدة"  أرمندو " بملحمية بدأها بكلمة وعلامة استفهام أتذكر ؟ لتتآلف المعاني وفق اللغة وينابيعها التي تشكل مداده الشعري بعمق فني . فهل معالم القصيدة في ديوان" أين أمي"  هي الوطن الذي يسكنه في دولتين؟ وهل يستبطن مفردته الشعرية بتأوهات خنقها باتقان هو انعتاق لمآسي احتلال نفسي مخفي له عدة اشكال في القصيدة الواحدة؟ 
يختزل الشاعر مروان مخول رحلة الأموات عبر التاريخ ودروبهم المتشابهة،  والمتجذرة في مآسي الأحياء الذين يتطلعون الى الرحيل من دنيا  اغلقت عليهم حدود الاوطان دون فتور في قصيدة بدأها ب "أتذكر"؟ ليكمل ابكِ علينا أنت لا نحن ونح"  والامر من وجع هو فعل مبتور.  اذ تنعصر الدمعة،  وتختفي كليا حيث لا أثر للموت،  بل لفراق موجع ناتج عن السعي في جهاد الحياة او العيش المرهون بالمعيشة والهوية،  مستحضراً تفاصيل ذكريات لانسان عاش معه طفولة،  وبدلالات ذات وجوه ايحائية مختلفة في مسارها وترحالها،  والتأثر العميق الذي انطبع على الجملة الشعرية " نحوم حول المعيشة والهوية منذ ستين عاماشامخين لكن، في أسفل القاعدة، هذه لب الحكاية في الحادثة وهي رب المشكلة." 
فتحرير المعاني اشبه بتحرير الروح من جسد سقط وهو يكافح في سبيل لقمة عيشه،  والخيوط الدرامية في تصوير حدسي نستخلص منه لبنة القصيدة وعمارتها الفنية ، للغوص اكثر في لجج ديوانه المتسلح برؤى لابيات بلا منزل،  وقصائد من بلاده،  ومخيم النيرب،  وحيفا وسيرة اسير وغيرها من اوجاع فلسطينية هي سؤال بلا علامة استفهام في نهاية المطاف لقصيدة 
"أين أمي" . 
وميض ايمائي في معاني هذا الديوان الشعري المضمخ برواية  صنّفها شعريا،  لتكون سردا ايقاعيا لا أغالي إن قلت هو حكاية شعب على مر التاريخ حتى المستقبل،  لأن كل لحظة زمنية فيه تتشابه مع الأخرى،  والمصطلحات تتخذ فيه تصويرات ترهب النفس،  وتتأثر بها روح القارئ الذي يلف خيوط القصائد واحدة تلو الأخرى الى أن يصل "  بين يديك دفء لا يفسر؟ أين من وسخ الحياة يداك الآن؟ وأين من كل هذا أبي؟  أين أبي " فما بدأ من قصائد دون علامة استفهام انتهى بها،  والأب في نهاية المطاف هو الحقيقة التي نولد منها باستقلالية تامة دون امتهان او زنى او نطفة مجهولة الهوية والارتباط الابوي في القصيدة هو ارتباط في ارض لم يدخلها ، ولم يخرج منها ولم تفتح حدودها . اذ يسعى عائدا الى الاسطورة والرمز آناباز والظروف القاهرة الأخرى .