أحمد عبد الحسين
ما من شيء يوحّد دولة ما مثل الخطر الذي يتهدّد كيانها. ففي الأزمات الكبرى تصطبغ حياة الناس برعبٍ مردُّه فقدانُ الأرض التي يضعون عليها أقدامهم وانهيارُ السدّ الذي يحجز عنهم الفوضى والاضطراب. غير أن خطراً وجوديّاً كهذا؛ ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، فهو نقمة تستنزف الموارد والبشر والجهود لكنه يستبطن إمكانية أن تتذكر الشعوب جوهرها الذي هو قوامُ وجودها.
ولذا تعمد بعض الدول أحياناً إلى استثمار أزماتها الخارجية لتمتين جبهتها الداخلية حين يكون الوهنُ قد اعتراها. إنها تلوّح لشعوبها برعب فقدان الهوية لحراسة الهوية ذاتها.
قُدّرَ لنا ـ نحن العراقيين ـ أن نحيا سنوات طوالاً في لوحة كئيبة كهذه، أيامَ كان الإرهابُ ينشر ظلامه على محافظات عراقية عزيزة وينشر أدوات القتل في محافظات أخرى، وقد اجتزنا محيط هذا الخطر بعونٍ من تضحيات غالية للقوات الأمنية بمختلف صنوفها والحشد الشعبيّ والبيشمركة، إلى أن انحسر خطر الظلاميين.
في الأيام المنصرمة أطلّ الإرهابُ برأسه جنوباً في البصرة فأودى بحياة أربعة مواطنين وأصاب عشرات، بعد أن أطلّ بوجهه الكالح شمالاً في قرية خضرجيجة قرب جبال قرچوغ فراح ضحيته عدد من المدنيين وقوات البيشمركة بين شهيد وجريح.
كان تحرّك رئيس الوزراء أمس لافتاً، فبعد أن أنهى زيارته لقضاء مخمور وتفقّد القطعات هناك، توجه جنوباً إلى البصرة ليواسي أهالي الضحايا، وكان لافتاً أيضاً قوله إن "الإرهاب واحد مهما تعددت أسماؤه وأقنعته".
من البصرة إلى مخمور، خطر داهم يهدّدنا جميعاً، لكنه يمكن أن يكون سبباً لتذكيرنا بهويتنا العراقية الواحدة.