الصراع على العراق بين مشروعين

الثانية والثالثة 2019/03/17
...

ابراهيم العبادي
 
بغيض مكتوم تفصح عنه التصريحات احيانا، راقبت الادارة الاميركية زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى العراق، وبرسالة تحذيرية عبر مسؤول ملف العراق وايران في الخارجية الاميركية برايان هوك عن اعتقاده بان ايران تسعى الى تحويل العراق الى محافظة ايرانية،  في الجهة المقابلة كانت زيارة روحاني وما تخللها من اتفاقيات وتفاهمات بين بغداد وطهران، مناسبة للفريق العراقي المعادي للسياسة الاميركية للاحتفال (بفشل) هذه السياسة في العراق ونجاح الحضور الايراني وتناميه  اقتصاديا وتجاريا وثقافيا، بين الاتجاهين  وقف فريق عراقي ثالث يدقق في التفاصيل ويعيد قراءة الاتفاقيات ويدرس عن كثب المآلات المستقبلية لها وملاءمتها للسيادة العراقية من عدمها، خصوصا وانها لامست جرحا نازفا في علاقة الطرفين (العراق وايران)، اعني موضوع الحدود وخصوصا الحدود المائية في شط العرب وتمدد خط التالوك الذي يقسم الشط مناصفة بين الجانبين كما نصت اتفاقية الجزائر 
عام 1975 .
الممتعضون من (التمدد) الايراني سارعوا الى تكثيف التواصل مع بغداد للوقوف على مساحة وعمق هذا التمدد الذي يتزايد، بآليات وعمل حاذق وحراك مناصرين مصممين على منع اميركا من استثمار اي نفوذ لها في العراق،  خصوصا انهم باتوا في سباق مع الزمن لجعل مشروعهم الموازي للمشروع الايراني جاذبا ومثمرا وبناء ، لكن الذي فات على المتخاصمين رؤيته في هذا التنافس الشرس، انهم لا يدعمون العراق حقيقة ولا يساعدونه في واقع الحال، انهم يتصارعون على العراق عبر قوى موالية  تسعى لبناء دولتها العميقة في السياسة والامن والتجارة والمال ومراكز النفوذ،  بينما التحدي الاكبر الذي لا يزال يعيق مسيرة استعادة العراق لعافيته، هو التصارع السياسي على السلطة والثروة والقرار،  الذي اضعف بنية الدولة وافسد الادارة واستقطب المكونات الاجتماعية، واتاح للخارج القريب والبعيد،  التدخل في الشأن الداخلي العراقي، والمشاركة في صنع السياسات والتاثير فيها، اهمية العراق الجيوبوليتيكية لجميع جيرانه واصدقائه تحتم عليهم مساعدته بلا شرط يخدش سيادته ولا يدفع ثمنا مقابل مواقفه، هناك مشروع ثالث بين المشروعين المتصارعين ظل يعبر عنه المرجع السيستاني ويتابعه في ذلك طيف عراقي كبير يضم ساسة ومثقفين وتكنوقراطا وجمهورا واسعا يدعو الى بناء الدولة والمحافظة على التوازنات داخليا  وفي العلاقات والسياسات الخارجية، فقد وجه المرجع رسائله بدقة ووضوح لكل زائريه، واخرهم الرئيس الايراني عندما حث على (ان تتسم السياسات في هذه المنطقة الحساسة بالتوازن والاعتدال لتجنيب الناس المآسي والاضرار)، مع التاكيد المستمر على حفظ سيادة العراق وخصوصياته وعدم التدخل في شؤونه وألا يكون ساحة لتهديد الاخرين ومنصة
للعدوان عليهم .
رسائل المرجعية النجفية العليا العميقة والمحسوبة، عبرت عن متانة وحكمة تاريخية حافظت عليها النجف وهاهي تستعيدها  في لحظة تاريخية فارقة، فمثلما كانت النجف تتزعم المطالبة بالمشروطية الدستورية لايران  على يد الاخوند الخراساني ابان الثورة الدستورية عام 1906، عادت النجف بعد قرن لتطرح فكرا هو الفيصل بين متخاصمين كثر في العراق وعلى مستقبل العراق .