ضياع هيبة شارع

الباب المفتوح 2022/06/01
...

قاسم موزان

يتساءل المواطن بألم إلى ما آلت إليه شوارع العاصمة بغداد من انتهاكات صارخة لهيبتها، والانتقاص من ثقلها الحضاري والتراثي، ولماذا انقلبت موازين التحضر والمدنية صوب الفوضى العارمة، واختفاء ملامحها المبهجة على نحو مغاير يثير الاستغراب.. ولعل شارع الرشيد الذي هو أول شارع في بغداد أنشئ، ويمتد من ساحة الميدان إلى بداية شارع أبي نواس أكثر الشوارع تضررا من الاهمال، على الرغم ما يختزن من ارث معماري مدني مذهل في انشاء المباني الجميلة، التي تستند الى ركائزعالية أضفت عليه رونقا رائعا، جوامع قديمة ومكتبات وأسواق ومحال تجارية ومصارف ودورسينما ومقاه، وغيرها في الزمن الذهبي. 
وإلى جانب ذلك فإنه يمثل تاريخ وطن وذاكرة شعب.. إنه يتعرض ولا يزال، إلى أبشع عمليات استلاب لهويته التاريخية وتغييرها وفق المزاج الخاص، فقد تحول بين ليلة و ضحاها إلى لوحة سريالية مبهمة ومعتمة، تشير إلى خلل في المنظومة القيمية والجمالية للأشياء، وتفرض اشتراطاتها الإشكالية ومحاولات جاهلة، لإزاحة الشارع باتجاه الخراب المبرمج، بعد أن غلق الشارع لفترة طويلة لأسباب أمنية، أصبحت الفرصة سانحة للبعض وبشكل غير مبال، ليحوله إلى سوق لأصحاب العربات الذين يعرضون الفواكه والخضراوات والسمك في صورة مقززة للرائي، وليس امامه الا التأسف المثقل بالحزن الكثيف، خصوصا لدى الذين شهدوا زمن توهج الشارع في العقود الماضية، عند الدخول إلى الشارع نتفاجأ بالعشرات من البسطيات على الجانبين، والكل يعرض بضاعته بصوته، بحيث لا تستطيع التمييز بينها، فضلا عن الازدحام البشري لشراء الحاجات والسلع وتزاحم عربات النقل، وما تسببه من حوادث. 
والصورة الأبشع في بداية سوق الشورجة، حيث غياب أبرز معالم جامع مرجان بمنارته وقبابه الثلاث، وهو من «مساجد العراق الأثرية القديمة، ويقع في شارع الرشيد، في منطقة الشورجة على يمين الداخل إلى سوق العطارين ببغداد، وهو مسجد محكم البناء وفسيح ...تاريخ بدء البناء: 758هـ  الا أن شكله التراثي البديع بطرازه الاسلامي، قد اختفى بشكل شبه تام للناظر بسبب تلاصق البسطيات وأصبح اثرا بعد عين، وكان ثمة نفق أنشئ في منتصف الستينيات، وكان لا يسمح بالعبور من جهة الجامع إلى شارع السمؤال وسوق القماش، الا من خلاله والآن اصبح مكبا للنفايات والقاذورات.. هذه الصورة مختزلة لأعرق شارع في بغداد والدمار الذي لحق به... نأمل التغيير ‏