عالية طالب
في الابداع لا يمكن للقناعة ان تكون منهجا فكريا معتمدا لدى الكاتب، ولا يمكن للمتلقي ان يدخل في قبول استقبال المنتج المرسل بوصفه منتجا كافيا لعقود تتراكم على اصدار أحادي أو شبه اصدار لا يحمل صفة التكامل أو الاكتمال، لكن المرسل عاش في قناعة تامّة ان ما انتجه هو فعل احترافي كامل يستحق أن يحمل صفة براءة اختراعه طوال مسيرته الابداعية!
هذا الواقع ليس تجنيا على أحد بل هو حدث حقيقي وملموس لأسماء كثيرة ما زالت “تتوسّط” ذاكرة المشهد الثقافي ويحتفى بوجودها ويشار لها على اعتبارها من الأسماء التي أنجزت ما عليها واكتفت بما فعلت لتترك “إرثا” لا يمكن نسيانه يوما..
وهناك في المقابل أسماء مهمة لم تنجز إلّا عملا واحدا أدخلها الخلود لتميزه الفعلي وهو ما حصل مع “مارجريت ميتشل وروايتها الشهيرة التي تحولت الى فيلم سينمائي مهم حمل نفس الاسم “ذهب مع الريح”.. ميتشل، كتبت روايتها من منطق التحدي لصديق لم يؤمن بأنها قادرة على كتابة عمل ابداعي مميز فتفرّغت لست سنوات وهي تعمل بجدية لانجازها وفازت لاحقا بجائزة “بوليتزر” 1957.. ولم تفكر بأن ما حصل لها سيستوجب منها الاستمرار، وتدخل الموت لينهي حياتها بحادث مروري قبل ان تصل الخمسين عاما.
رواية اخرى وحيدة كتبتها اميلي برونتي، نالت شهرة كبيرة رغم انها صدرت باسم مستعار هو “ايليس بيل” وكانت تكتب الشعر ولا تفكر بالاهتمام بتوثيقه فضاع ارثا ابداعيا مهما لمبدعة توفيت في الثلاثين من عمرها فأعادت أختها نشر روايتها باسمها الصريح عام 1850 وخلد اسم هيثكليف وهندلي بكثافة العلاقات الانسانية والعاطفية والاحقاد في ثنائيات جمعت هيكل الرواية الرائعة.. ولا ننسى رواية “دكتور زيفاكو” لبوريس باسترناك وايضا تحولت الى فيلم خلد تفاصيلها في ذاكرة المكتبة الادبية والسينمائية لتبقى رواية وحيدة لواحد من اهم شعراء القرن الماضي.
محليا لدينا شواهد مماثلة لكتاب وادباء لم يكتبوا اكثر من رواية أو مجموعة قصصية أو مجموعة شعرية، واكتفوا بما انتجوا بعد ان حملوا صفة “الاديب” لكن للاسف لم تحفر اعمالهم عميقا في حيز الموقع الاثير في المكتبة المقروءة ولم تجد صدى واسعا حقق لكاتبها انتشارا يربط اسم الكاتب باسم العمل مهما تعاقبت السنوات، حتى ان بعضنا نسي او تناسى منجز حامل صفة الاديب ضمن الفنون الابداعية وتقبل لاحقا وجوده كاطار اجتماعي ضمن الوسط الادبي دون ان يطالبه بنتاجات مرادفة ليحقق ادامة ابداعية لمشوار ابتدأ ثم صمت عن التواصل الفعلي ولم يتبقَ منه إلا حيز صغير في مساحة تبتلع جديدها دائما وتطالب بالتميز بلا توقفات تؤشر سلبا لنتاج دخل مساحة التكلّس والنسيان ببراعة الجمود الواقعي.
المكتبة المحلية تشهد صمتا لاسماء نعرفها وفي ذات الوقت تكثيفا اخرس لغيرها تعتقد خطأ ان مكانتها تتبلور مع كل اصدار حتى وان كان ذلك الاصدار يقترب من حجم دليل الهاتف الذي اصبح من مخلفات قرن مضى!