د. أحمد جارالله ياسين
في إطار جهده النقدي الرصين، صدر للناقد د.جاسم خلف الياس كتابه الجديد (التشاكل الإغوائي)/ قراءات في سرانيّة الشعر الأنثوي، الذي تناول فيه تجارب شعرية أنثوية لمجموعة من المبدعات العراقيات والعربيات، منهم بشرى البستاني، وجيهة عبدالرحمن، خالدة خليل، ابتسام ابراهيم، البتول الدباغ، فاطمة بن محمود، حليمة خليل الجبوري، رسمية محيبس، بشرى الهلالي، ماجدة الظاهري، دامي عمر، جودة بلغيث، جوزية الحلو، البتول العلوي، امل عايد البابلي، وتندرج الدراسات تحت اثنتي عشر عنوانا نقديا حداثي التشكيل وذا مضمون متصل بعالم الأنوثة غالبا نحو: سطوة الانوثة وفتنة التعبير، فتنة الجسد وغواية النص، غواية الجسد/ حرائق النص ..
وبيّن الناقد أن مقارباته النقدية في هذا الكتاب تتغيا (كشف مفاتن النص وحرائقه، وفك شفراته ورموزه، وذلك من خلال محاور تتوافق مع المهيمنات التي تفرضها اللغة / الصورة / الإيقاع / المفارقة / التناص / الجنوسة / الرمز / الحضور / الغياب .., وغيرها وصولا الى التشابكات العلائقية والحمولات الدلالية).
ولعل العنوان (التشاكل الإغوائي) يثير في القارئ أفكارا بشأن ماهية الادب الأنثوي والمصطلحات النقدية الخاصة به، وهل ثمة مسوغ لاجتراح مثل تلك المصطلحات الجديدة في فضاء النقد ويجيب الناقد عن مثل تلك التساؤلات بقوله (ليس الهدف من هذه المقاربة هو وضع مصطلح الشعر الانثوي أمام مساءلة نقدية وجدل عبثي يمنحه الواجد في الفضاء الذي تواجد فيه مصطلح (الأدب النسائي) وتفرعاته النوعية أو مزاحمته المفاهيم التي تواجدت في الكتب والدوريات..
وقد جرى حفل توقيع للكتاب في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في نينوى يوم السبت الموافق 16، وعرض فيه د.قيس عمر ورقة نقدية أوجز فيها السيرة النقدية والثقافية للناقد جاسم خلف، كما اضاء جانبا من المشروع النقدي له، ثم كانت هناك مداخلات عديدة للشاعر رعد فاضل، والشاعر أحمد جارالله، ود.اسماعيل ابراهيم.
ومما يميز الاشتغال النقدي للدكتور جاسم خلف كونه جاء الى الساحة النقدية الأكاديمية ناقدا متمرسا وخبيرا بأسرار النص الابداعي، ثم اضاف الى ذلك المنهجية الاكاديمية وضوابطها، فخرجت كتاباته متوازنة بين النقدين الانطباعي التذوقي والاكاديمي الرصين، حتى اجترح له خطا نقديا خاصا به يركز فيه على الجانب التطبيقي اكثر من انشغاله بالجانب النظري الذي يثقل الكتابات النقدية عادة، ويضع المتلقي في حيرة من فهم تعقيداتها ومصطلحاتها التي لا يستخدم منها جاسم خلف سوى الضروري والمهم، مما جعل النص النقدي لديه متاحا أمام القارئ للفهم والتحاور والتواصل معه. ويأتي اهتمامه بالأدب النسوي من منطلقات عدة أهمها تسليط الضوء على هذا الصنف من الكتابات التي نالها التهميش كثيرا في ظل هيمنة الأدب الذكوري على الساحة الابداعية العربية بشكل عام. فضلا عن قناعته بأن الادب النسوي لا يمكن أن ينوب عنه الابداع الذكوري في التعبير والتفكير، ومن ثم فإنّ خير مايعبر عن النسوية هم أصحابها
من المبدعات.
إن أهمية هذا الكتاب تتأتى من كونه إضافة نقدية مهمة إلى المكتبة النقدية العربية في جانبها الذي يتناول الأدب النسوي العربي في الإجراءات النقدية التطبيقية التحليلية أكثر من كونه يندرج في إطار الكتابات النقدية النظرية، وعالمنا العربي بحاجة إلى ذلك الصنف الأول الإجرائي لأنه يقرب النص النسوي من الجمهور ويفك شفراته الابداعية ويكشف عن سرانيّته التي يحاول الحفاظ عليها بالترميز والإيحاء لكنه لا يمكن أن يتخلى عن قصديته الإغوائية التي تستدرج المتلقي إليها جماليا وفكريا ونفسيا.