عمار المسعودي.. وديناميَّة النصّ الحالم

ثقافة 2019/04/07
...

علوان السلمان
 
 
النص الشعري بمجمل مكوناته الرامزة ودلالاته اللفظية.. تعبير عن الحالة الشعورية والنفسية بأسلوب دينامي حالم.. مع عمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبها الجملية المتجاوزة للقوالب الجاهزة وفق تصميم ينمُّ عن اشتغال فني يعتمد الجزئيات وينسجها نسجا رؤيويا يرقى من المحسوس الى الذهني الذي يستدعي المستهلك (المتلقي) لاستنطاق صوره والكشف عما خلف ألفاظه بالتحليل والتأويل..   وباستحضار المجاميع الشعرية (ساعة يلمع الماس) و (ما يتعطل من الاسئلة) و (ويختفي في القرى) التي نسجت عوالمها النصيّة أنامل منتجها الشاعر عمّار المسعودي واسهمت دار رند في نشرها وانتشارها/2011.. كونها نصوصا تعلن عن تجربة واقعية بمخزونه الشعري الذي يخوض غمار الاخيلة والانطباعات التي تنقل المستهلك (المتلقي) الى فضاءات بعيدة المدى، لما فيها من صور مجازية متأتية من الواقع.. حتى ان البعض تجاوزه.. وهي تقوم على تقنية تكثيف العبارة وعمق المعنى.. مع جنوح الى التركيز والايجاز والرمز وتوظيف سايكولوجية التواصل الشعري في سياق حسّي مرتبط بالواقع واشيائه.. ابتداء من العنوان النص الموازي والايقونة الدالة التي تكشف عن عوالم المتن النصّي بعنواناته الفرعية التي اعتلت نصوصها الداخلية..
المستقيم فكرة تمرُّ مسرعة
تتقاطع مع الصيف
تتقاطع مع الشتاء
تتقاطع مع فصول اخرى لا تعرفها
لا توصل الجند بالقافلة
والتاج بالفراشة
لا توصل الدموع بالنظر
الذي صوّب الطلقة صوبَ ثمرة
يجني يوما بارود تكوينها
المياه التي استخدمت في الحرب
لم تنبت بعد أجنحتها
موسى ضرب المياه ببخار صوته
فأسفرت يده عن اليابسة  /ص9 ـ ص10
      فالنص يكشف عن تجربة رؤيوية متفجّرة عكست الحالة الانفعالية والانفتاح الدلالي والتقابلات الثنائية واستنطاق المكان الذي منح النصّ تشظيا جماليا واسهم في تخصيب المعنى وتكثيفه.. فقدم صورة ذاتية تعتمد موسيقى الاستجابة لايقاع الحياة.. كونه نتاج العلاقات الداخلية بحكم الارتباط الوثيق ما بين الدلالة والصياغة اللغوية التي هي (سلسلة من الحركات الصوتية المقترنة بسلسلة من الحركات الفكرية..).. فضلا عن انه استمدَّ جمالياته من بنائه المتماسك بتكثيف العبارة ومجازاتها وموجودات الواقع والذاكرة التاريخية والبنية الذاتية النابعة من الرؤيا المحققة للصورة المرتبطة بالتجربة.. فضلا عن اعتماد أسلوب البيان البلاغي، اذ الاستعارة التي تعني (تشبيها بليغا حُذف منه المشبّه وبقي المشبّه به) وهناك الكناية والمجاز (الكلام عن شيء والمراد غيره) .. واعتماد أسوب التناص والنص القرآني فكان موسى رمزا وقناعا عند الشاعر..
هذا نورك
هذا دخان قناديلك
خذهما واجعلني على فراديسك
أجمع تقوى صلواتك
هذا دخانك
هذا نور قناديلك
خذهما واجعلني....
لا غائما ولا ماطرا..
لا ذاهبا ولا آيبا
سمني على مشاويرك
أقود السحابة من ثوبها
صوب حقول بعيدة  / ص69 ـ ص70
  فالنص عند الشاعر ينطلق من الخارج الى الداخل بحكم رؤاه التي  تلامس الذات الجمعية والطبيعة وتشاركهم الهم.. لذا فهو يسحب متلقيه باضاءاته الفنية والجمالية وايحاءاته التي تنطوي على دلالات متميزة بعمقها للغوص والتأمّل في صورها التي تجسّد مكنونات وخوالج الذات الشاعرة بدلالات درامية تكشف عن ازمة الذات والموضوع..عبر قوة خيالية مضافة لعملية الخلق الشعري التي تتأتى من مجازات الصورة الشعرية التي هي (تعبير عن عملية الخلق الجمالي لعناصر الرؤيا الذاتية المستمدة من المعاناة الانسانية العامة ثم التدرّج الى نقل ذلك الى واقع الاشياء الموضوعي..) كما جاء في معجم المفصل في اللغة والادب.. فضلا عن كثافة العبارة وانسجام مفرداتها..
لأسميك إذن
وأنا أدوّن سواقي عطشي
أجري..فتجري الأسماء
وتضيء المعاني.. إلّا أنت
كلّهم يعرفون آثاري
وتعرق أغصانك بين يدي
حولي جرت كلّ الكواكب
ووقفت أنا
شاحبا مثل بريق قديم
مثل شيء يختفي في القرى.  ص111 ـ  ص112
      فالنص يقوم على انتزاع الصور المتلاحقة التي امتازت بحسيتها المتوالدة في الذهن، وهي صور مقصودة لذاتها لتحقيق رغبة المنتج الجمالية.. لذا كانت نصوصه تفسيرية متلاحقة الصور مع استحضاره للاجواء الرؤيوية بحساسية الوجد .. وهو يخلق نصا يتسم بالوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالانسان عبر منظور واع لفنه الشعري.. كون الشعر عنده امتدادا مدروسا لمعطيات الزمن وصراعاته.. لذا ففاعلية الصورة الشعرية عنده تقوم على مدركات عقلية تكشف عن وعي شعري يقوم على وحدة موضوعية وغنائية صافية امتازت بسلامة ايقاعها وبساطة لغتها وصدق عاطفتها بالرغم من 
نثريتها .. وبذلك قدم الشاعر تجربة شعرية محكمة في معانيها لأنّها تمتلك خزينها الحدثي فتنظمه شعرا معتمدا على عنصري الخيال والمجاز المساعدين على المغامرة باختراق اللغة اليومية.. وهو يترجم احاسيسه وانفعالاته الداخلية بابداع رؤيوي عميق.. مع توظيف تقنيات فنية محرّكة للنص يأتي في مقدمتها الرمز السمة الاسلوبيّة التي تسهم في الارتقاء بشعرية النص وتعميق دلالاته.. وأسلوب الاستفهام الباحث عن الجواب لتوسيع مديات النص.. والتنقيط (النص الصامت).. الذي يستدعي المتلقي للاسهام في بناء النص.. والتكرار الظاهرة الصوتية التي تحتضن دلالة نفسية وعاطفية خارج الذات لتحقيق التوازن والتعبير عن الحالة القلقة التي يعانيها المنتج (الشاعر)..