حسب الله يحيى
لم تكن تضحيات وجهاد الإمام على بن ابي طالب(ع) ولا الشهيد الحسين (ع) ولا الشهيد الصدر، ولا نضال جيفارا ودوبريه وغاندي وهوشي منه،وعمر المختار وسلام عادل وجميلة بوحيرد ومانديلا...
كل هؤلاء وسواهم ممن استشهد أو قضى قسطا وافرا من حياته في السجون والمنافي..؛ يمني نفسه وسيرته النضالية بحثا عن هدف مادي أو وظيفة مرموقة أو مركز متقدم في الدولة أو هبة أو أرض أو منافع.
كما لم يكن كل هؤلاء وسواهم يسعون للانتقام من خصومهم حال انتصارهم على أعدائهم.. ذلك أنهم نظروا إلى الأمور من منطلق آخر، فقد كان الامام علي (ع) رقيقا في تعامله مع قاتله، مثلما كان غاندي متسامحا مع خادمته وكذا الامر مع مانديلا وهو يتناول الطعام مع جلاده.. ذلك أنهم جميعا كانوا قد نذروا أنفسهم لخدمة الإنسانية لا لخدمة أنفسهم.
ومع أنه لا يوجد الا القليل النادر ممن لم تطله سيوف الغدر والارهاب والعنف والقتل على مدى سنوات الحكم السابق والحكم اللاحق كذلك..
ذلك أن الانسان قد تحول إلى رهان خاسر بين الأطراف المتصارعة كافة.. حتى أصبحت الأسر العراقية تحمل هموماً ثقيلة في ذكرياتها عن شهيد أو جريح أو كارثة ألحقت بها.. ذلك أن المآسي في العراق لا تحكمها حدود ولا يلزمها منطق.
غير أن ما يجري اليوم مثيرٌ للاستياء، شأنه شأن الكثير من الأمور القسرية والتدميرية غير العادلة، التي تواجه العراقيين على مدى عقود من الزمن.
هذا الاستياء يبدأ من (التباهي) بتلك الحالات الظلامية والصعبة، التي مرّت على العراقيين والتي ما أن تذكر إلا ويصاب المرء بالحزن الثقيل والدموع الحبيسة، ذلك أن ما يراد من ذاك الجهاد وهذا النضال هو الحصول على الكثير من المكاسب والمنافع والوظائف من دون استحقاق قانوني أو معرفي أو كفاءة علمية تميز هذا البعض، الذي يتباهى بكفاحه وبؤسه في الأزمنة التي خلت.
وبات ذكر الشهيد أو المناضل الحي الذي عاش سنوات الجمر لا يراد منها الا الحصول على الامتيازات، وكأنَّ كل العراقيين، سواء كانوا في الداخل أو الخارج على بعد مما جرى وأن حزم الموت والعذاب لم تطل عوائلهم، وباتوا يريدون التعويض عن ذاك الحال السقيم والسجون المظلمة والعذابات الصعبة والأرواح الشهيدة البريئة التي سكنت القلوب..؛ ما عادت تملك سوى اثرها في استثمار ما كانت عليه لتحصد وتكسب على حساب الشعب، الذي يعاني من القهر والجوع والجهل والمرض.
إن الورثة الذين خرجوا من المآسي بسلام لا يريدون الخروج من ذاك الطقس الصعب، ولا ظلامية الذكريات بخفي حنين، ولا من الحصاد بحزم خالية من الخيرات، أنهم أرباب تجارة لا أوفياء مع شهدائهم وعذاباتهم.
من هنا نرى أن للشهيد والاسير والسجين والمعذب.. سماته النبيلة التي نحترمها ونعتز بها، لتكون مثالا حياً أمام الأجيال القادمة في التضحية والفداء، لا أن تكون سبيلاً لتحقيق امتيازات لا حق لهم بها، فمثل هذا السلوك يجعل من ذاك الماضي المضيء صفحة لم تعد تعنى الا بالمغانم لنفسها أو لأسرتها.. بعيداً عن الحياة السعيدة، التي يفترض أن تكون لكل الناس لتحقيق العدالة والمساواة والخير العميم للجميع.. فهذه هي رسالة كل مجاهد ومناضل ومضح من أجل الناس جميعا، ليعيشوا في منطقة الضوء والعدالة والرفاه.